للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَنْطِقِيُّ، وَهَذَا الْكُلِّيُّ لَيْسَ بِأَحَدِهِمَا، وَإِنَّمَا هُوَ كُلِّيٌّ طَبِيعِيٌّ، وَهُوَ مِمَّا قَدْ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي الْخَارِجِ عَلَى مَا عُرِفَ ثُمَّ لَيْسَ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْضُوعُ هَذَا الْعِلْمِ بَلْ (مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهِ) أَيْ الدَّلِيلُ (إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ) الشَّرْعِيَّةِ (لِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ) الَّتِي لَا تُقْصَدُ لِاعْتِقَادٍ، وَإِنَّمَا طَوَى ذِكْرَهُمَا لِلْعِلْمِ بِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ (أَخْذًا مِنْ شَخْصِيَّاتِهِ) أَيْ حَالَ كَوْنِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ مَأْخُوذًا أَيْ مُنْتَزَعًا مِنْ مَاصَدَقَاتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مَوْضُوعَ هَذَا الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ كُلِّ عِلْمٍ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ اللَّاحِقَةِ لِذَاتِهِ أَوْ مُسَاوِيهِ، وَالْعَارِضُ هُنَا الْخَارِجُ الْمَحْمُولُ، وَقَدْ يَتَجَوَّزُ فِي التَّمْثِيلِ بِمَبْدَئِهِ، وَالذَّاتِيُّ مِنْهُ مَا عُرُوضُهُ بِلَا وَاسِطَةٍ فِي الثُّبُوتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنْ اسْتَدْعَى وَسَطًا فِي التَّصْدِيقِ لِخَفَاءِ ذَلِكَ اللُّزُومِ لَا مَا مَنْشَؤُهُ الذَّاتُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَإِلَّا لَمَا بَحَثُوا عَنْ وُجُودِ النُّفُوسِ وَالْعُقُولِ فِي الْإِلَهِيِّ إذْ لَيْسَ هُوَ مُقْتَضِي ذَوَاتِهَا، وَكَذَا الْأَحْكَامُ السَّبْعَةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْمُرَادُ بِالْمُسَاوِي أَعَمُّ مِنْ الْمُسَاوِي فِي الصِّدْقِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ فِي الْوُجُودِ حَتَّى إنَّ مَا يُعْرَضُ بِوَاسِطَةِ الْمُبَايِنِ الْمُسَاوِي فِي الْوُجُودِ يَثْبُتُ بِوُجُودِ الْجِسْمِ لِلْجِسْمِ يُبْحَثُ عَنْهُ فِي الْعِلْمِ حَتَّى أَنَّهُ يُبْحَثُ عَنْ الْأَلْوَانِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي مَوْضُوعُهُ الْجِسْمُ الطَّبِيعِيُّ، وَعُرُوضُهُ لِلْجِسْمِ بِوَاسِطَةِ السَّطْحِ فَلَيْسَ الْجِسْمُ أَبْيَضَ إلَّا لِأَنَّ السَّطْحَ أَبْيَضُ، وَلَا شَيْءَ مِنْ الْجِسْمِ بِسَطْحٍ فَإِنْ قِيلَ كَوْنُ الذَّاتِيِّ لَازِمًا لِلذَّاتِ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ مَعَهَا ذِهْنًا، وَإِذَا ثَبَتَ حَيْثُ ثَبَتَ فَلَا بَحْثَ؟ .

فَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّازِمَ مِنْ اللُّزُومِ ثُبُوتُهُ مَعَهُ صُورَةً مَعَ صُورَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدْرَكًا إذْ حُصُولُ الشَّيْءِ ذِهْنًا لَا يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْبَحْثِ الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ لَهُ صَادِقًا عَلَيْهِ لُزُومًا، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ ثُبُوتِهِ مَعَهُ حَتَّى إنَّ مَا مِنْ اللُّزُومِ يَكْفِي فِي الْحُكْمِ بِهِ تَصَوُّرُ الْمَلْزُومِ أَوْ الْمَلْزُومِ مَعَ اللَّازِمِ، وَهُمَا الْبَيْنُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَالْبَيْنُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَبْحُوثًا عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي اللَّوَازِمِ الْعَقْلِيَّةِ كَمُسَاوَاةِ الْمُثَلَّثِ لِقَائِمَتَيْنِ فَفِي الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى اهـ. وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْكُلِّيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْعِلْمِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ اللَّاحِقَةِ لِذَاتِهِ، وَهِيَ كَوْنُهُ مُثَبِّتًا لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ثُمَّ لَمَّا كَانَ اللَّازِمُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ لَفْظًا لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ أَنْ يُقَيَّدَ بِالْحَيْثِيَّةِ الَّتِي يَقَعُ الْبَحْثُ عَنْ أَعْرَاضِهِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ جِهَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ غَايَةٌ تَتَرَتَّبُ عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ شَيْءٍ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ قَيَّدَهُ بِهَا، وَقَدْ انْدَفَعَ بِقَوْلِهِ إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الْإِشْكَالُ الْمَشْهُورُ عَلَى قَوْلِهِمْ إلَى إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَوْضُوعُ الْأُصُولِ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُهَا لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةُ قَيْدًا لِلْمَوْضُوعِ فَتَكُونُ جُزْءًا مِنْهُ.

وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَقَدُّمُهَا عَلَى نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُبْحَثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْعِلْمِ وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مَا بِهِ يَعْرِضُ الشَّيْءَ لِلشَّيْءِ لَا بُدَّ، وَأَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْعَارِضِ عَلَى أَنَّ مَوْضُوعَ الْعِلْمِ مَا يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ أَعْرَاضِهِ الْمَذْكُورَةِ لَا عَنْهُ وَلَا عَنْ أَجْزَائِهِ حَتَّى احْتَاجُوا إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَيْثِيَّةَ هُنَا لَيْسَتْ نَفْسَ الْإِثْبَاتِ بَلْ إمْكَانُهُ، وَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْأَعْرَاضِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِيهِ وَذَهَبَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إلَى أَنَّهَا بَيَانُ الْأَعْرَاضِ الذَّاتِيَّةِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِيهِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْءِ أَعْرَاضٌ مُتَنَوِّعَةٌ، وَإِنَّمَا يُبْحَثُ فِي ذَلِكَ الْعِلْمِ عَنْ نَوْعٍ مِنْهَا فَالْحَيْثِيَّةُ لِبَيَانِ ذَلِكَ النَّوْعِ لَا قَيْدٌ لِلْمَوْضُوعِ (وَبِالْفِعْلِ فِي الْمَسَائِلِ) أَيْ وَالْمَوْضُوعُ بِالْفِعْلِ فِي مَسَائِلِ هَذَا الْعِلْمِ (أَنْوَاعُهُ) أَيْ الدَّلِيلُ الْكُلِّيُّ السَّمْعِيُّ نَحْوَ الْكِتَابِ يُفِيدُ الْحُكْمَ قَطْعًا إذَا كَانَتْ دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةً.

وَقَدْ وَقَعَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ عَلَى مَوْضُوعِ الْعِلْمِ، وَهُوَ سَهْوٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى الْبَدِيعِ، وَقَالَ فِيهِ الدَّالُّ عَلَى الْمَوْضُوعِ إذَا أَفَادَ مُسَمًّى كُلِّيًّا فَالْمَوْضُوعُ هُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ وَالْحَمْلُ فِي الْمَسَائِلِ قَلَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ نَفْسُهُ بَلْ كَمَا أَفَادَنِي الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَالَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ أَنَّ مَوْضُوعَ الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مَوْضُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّ مَوْضُوعَ عِلْمِ الْكَلَامِ ذَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ اهـ.

يَعْنِي كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي الْأُرْمَوِيِّ، وَقَدْ نَظَرَ فِيهِ فِي الْمَوَاقِفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>