مِنْ أَضْدَادِهِ (وَهُوَ بَعِيدٌ) ظَاهِرُ الْبُعْدِ (وَإِنَّ النَّهْيَ أَمْرٌ بِالضِّدِّ الْمُتَّحِدِ) فَالنَّهْيُ عَنْ الْكُفْرِ أَمْرٌ بِالْإِيمَانِ (وَإِلَّا) فَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ (فَقِيلَ) أَيْ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ أَمْرٌ (بِالْكُلِّ) أَيْ بِأَضْدَادِهِ كُلِّهَا (وَفِيهِ بُعْدٌ) يَظْهَرُ مِمَّا سَيَأْتِي.
(وَالْعَامَّةُ:) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ هُوَ أَمْرٌ (بِوَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ) مِنْ أَضْدَادِهِ (فَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ) الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ (أَوَّلًا كَذَلِكَ) أَيْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ (وَآخِرًا يَتَضَمَّنَانِ) أَيْ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ (وَمِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَمْرِ) أَيْ قَالَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَسَكَتَ عَنْ النَّهْيِ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمُتَابِعِيهِ (وَعَمَّمَ) الْأَمْرَ فِي أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الضِّدِّ (فِي الْإِيجَابِيِّ وَالنَّدْبِيِّ فَهُمَا) أَيْ الْأَمْرُ الْإِيجَابِيُّ وَالْأَمْرُ النَّدْبِيُّ (نَهْيَا تَحْرِيمٍ وَكَرَاهَةٍ فِي الضِّدِّ) أَيْ فَالْأَمْرُ الْإِيجَابِيُّ نَهْيٌ تَحْرِيمِيٌّ عَنْ الضِّدِّ، وَالْأَمْرُ النَّدْبِيُّ نَهْيٌ تَنْزِيهِيٌّ عَنْ الضِّدِّ (وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ أَمْرَ الْوُجُوبِ) فَجَعَلَهُ نَهْيًا تَحْرِيمِيًّا عَنْ الضِّدِّ دُونَ النَّدْبِ (وَاتَّفَقَ الْمُعْتَزِلَةُ لِنَفْيِهِمْ) الْكَلَامَ (النَّفْسِيَّ عَلَى نَفْيِ الْعَيْنِيَّةِ فِيهِمَا) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ، وَلَا بِالْعَكْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ ذَلِكَ فِيهِمَا لَفْظًا.
(وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُوجِبُ كُلٌّ مِنْ الصِّيغَتَيْنِ) أَيْ صِيغَتَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ (حُكْمًا فِي الضِّدِّ؟ فَأَبُو هَاشِمٍ وَأَتْبَاعُهُ لَا بَلْ) الضِّدُّ (مَسْكُوتٌ) عَنْهُ (وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ) الْأَمْرُ (يُوجِبُ حُرْمَتَهُ) أَيْ الضِّدِّ (وَعِبَارَةُ) طَائِفَةٍ (أُخْرَى) الْأَمْرُ (يَدُلُّ عَلَيْهَا) أَيْ حُرْمَةِ ضِدِّهِ (وَ) عِبَارَةُ طَائِفَةٍ (أُخْرَى) الْأَمْرُ (يَقْتَضِيهَا) أَيْ حُرْمَةَ ضِدِّهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُرْمَةَ الضِّدِّ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ مُوجِبَاتِ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِرَارًا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ تَنَوَّعَتْ أَشَارَتُهُمْ إلَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالُوا، فَمَنْ قَالَ يُوجِبُ أَشَارَ إلَى أَنَّ حُرْمَةَ الضِّدِّ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ حُكْمِ الْأَمْرِ كَالنِّكَاحِ أَوْجَبَ الْحِلَّ - فِي حَقِّ الزَّوْجِ بِصِيغَتِهِ - وَالْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِحُكْمِهِ دُونَ صِيغَتِهِ، وَمَنْ قَالَ يَدُلُّ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ تَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحُرْمَةُ مِنْ مُوجَبَاتِهَا، كَالنَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حُرْمَتُهُ مِنْ مُوجَبَاتِ لَفْظِ التَّأْفِيفِ، وَمَنْ قَالَ يَقْتَضِي أَشَارَ إلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى غَيْرِ لَفْظِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى يَثْبُتُ زِيَادَةً عَلَى اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ مَا فِيهِ (وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ) السَّرَخْسِيُّ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ (وَأَتْبَاعُهُمْ) مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَمْرُ (يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الضِّدِّ، وَلَوْ كَانَ) الْأَمْرُ (إيجَابًا وَالنَّهْيُ) يَقْتَضِي (كَوْنَهُ) أَيْ الضِّدِّ (سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَلَوْ) كَانَ النَّهْيُ (تَحْرِيمًا، وَحُرِّرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي أَمْرِ الْفَوْرِ لَا التَّرَاخِي) ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْقَوَاطِعِ وَغَيْرُهُمْ (وَفِي الضِّدِّ) الْوُجُودِيِّ (الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّرْكِ، لَا التَّرْكِ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ قَالُوا (وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي لَفْظِهِمَا) أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِأَنْ يُطْلَقَ لَفْظُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ افْعَلْ وَنَحْوُهَا، وَصِيغَةَ النَّهْيِ لَا تَفْعَلْ (وَلَا الْمَفْهُومَيْنِ) أَيْ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ مَفْهُومَ أَحَدِهِمَا - وَهُوَ الصِّيغَةُ الَّتِي هِيَ كَذَا - عَيْنُ مَفْهُومِ الْآخَرِ أَوْ فِي ضِمْنِهِ (لِلتَّغَايُرِ) أَيْ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَفْهُومَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَفْهُومِ الْآخَرِ (بَلْ) النِّزَاعُ (فِي أَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ - الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ - عَيْنُ طَلَبِ تَرْكِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ)
فَالْجُمْهُورُ: نَعَمْ فَالْمُتَعَلِّقُ وَاحِدٌ وَالْمُتَعَلَّقُ بِهِ شَيْئَانِ مُتَلَازِمَانِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ كَالْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute