فِي مَفْهُومِهَا الْوَضْعِيِّ وَهُوَ الشَّبِيهُ (وَالْمِثْلُ يُقَالُ لِنَفْسِهِ) أَيْ لِنَفْسِ الشَّيْءِ وَذَاتِهِ فَيُقَالُ (لَا يَنْبَغِي لِمِثْلِك) كَذَا أَيْ لَك {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ} [البقرة: ١٣٧] أَيْ بِنَفْسِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ أَوْ دَيْنُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ فَالْمَعْنَى لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ
(وَتَمَامُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ (بِاشْتِرَاكِ مِثْلٍ) بَيْنَ النَّفْسِ وَالشَّبِيهِ إذْ لَا رَيْبَ فِي إطْلَاقِ مِثْلٍ عَلَى الْمُمَاثِلِ وَهُوَ غَيْرُ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْآخَرِ حَقِيقَةٌ ثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآخَرِ حَقِيقَةٌ بَلْ كَانَ مَجَازًا (ثَبَتَ نَقِيضُ مَطْلُوبِهِمْ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ وُجُودُ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ (وَهُوَ) أَيْ الِاشْتِرَاكُ (مَمْنُوعٌ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْهُ (وَتَارَةً بِأَنَّ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] حَقِيقَةٌ) فِي نَفْيِ التَّشْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى مِثْلٍ وَكُلٌّ مِنْهَا وَمِنْهُ غَيْرُ زَائِدٍ ثُمَّ هُوَ (إمَّا لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (وَيَلْزَمُهُ) أَيْ نَفْيُ مِثْلِ مِثْلِهِ تَعَالَى (نَفْيَ مِثْلِهِ وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفْيَ مِثْلِهِ (تَنَاقَضَ لِأَنَّهُ) تَعَالَى (مِثْلُ مِثْلِهِ) فَلَا يَصِحُّ نَفْيُ مِثْلِ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ فَنَفْيُ مِثْلِهِ صَحِيحٌ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ ثُبُوتُ الْمِثْلِ فَإِنَّك إذَا قُلْت: لَيْسَ شَيْءٌ مِثْلَ مِثْلِ زَيْدٍ تَبَادَرَ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ لِزَيْدٍ مِثْلًا وَقَدْ نَفَيْتَ عَنْهُ أَنَّهُ يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ تَعَالَى مِثْلٌ كَانَ هُوَ مِثْلًا لِمِثْلِهِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ النَّفْيِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ نَفْيُهُ تَعَالَى مَعَ إثْبَاتِ مِثْلِهِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْمِثْلِ مَعَ ثُبُوتِ ذَاتِهِ وَهُمَا مُتَنَاقِضَانِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ ثُبُوتَ مِثْلِهِ تَعَالَى مُسْتَلْزِمٌ لِثُبُوتِ مِثْلِ مِثْلِهِ فَنُفِيَ اللَّازِمُ وَجُعِلَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْمَلْزُومِ
(وَلِلُزُومِ التَّنَاقُضِ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ نَفْيُ مِثْلِهِ (انْتَفَى ظُهُورُهُ) أَيْ نَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ (فِي إثْبَاتِ مِثْلِهِ وَبِهِ) أَيْ بِلُزُومِ التَّنَاقُضِ (يَنْدَفِعُ دَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ وَدَافَعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (بِاقْتِضَائِهِ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ (إثْبَاتَ الْمِثْلِ فِي مَقَامِ نَفْيِهِ) أَيْ الْمِثْلِ (وَظُهُورَهُ) أَيْ الْمِثْلِ (فِيهِ) أَيْ فِي إثْبَاتِ مِثْلِهِ (وَجَعَلَ هَذَا) الدَّفْعَ الَّذِي لِابْنِ الْحَاجِبِ (مُرَتَّبًا عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ سَهْوًا) قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَقَعَ فِي حَوَاشِي الشَّيْخِ سَعْدِ الدِّينِ الِاقْتِصَارُ عَلَى نَقْلِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ لِلظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى الذَّاتِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ اعْتِرَاضَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَذْكُورَ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ هَذَا سَهْوٌ اهـ قُلْت: لِأَنَّ كَوْنَ الْمَعْنَى لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ لَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْمِثْلِ فِي مَقَامِ نَفْيِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى الذَّاتِ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ وَهُوَ أَنَّ الْمِثْلَ بِمَعْنَى الذَّاتِ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَسْهُو (وَإِمَّا لِنَفْيِ شَبَهِ الْمِثْلِ فَيَنْتَفِي الْمِثْلُ بِأَوْلَى كَمِثْلِك لَا يَبْخَلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ اقْتِضَاءَ شَبَهٍ صِفَتُهُ انْتِفَاءُ الْبُخْلِ أَوْلَى مِنْهُ) أَيْ مِنْ اقْتِضَاءِ شَبَهٍ صِفَتُهُ انْتِفَاءُ الْبُخْلِ (اقْتِضَاءُ صِفَتِهِ) انْتِفَاءُ الْبُخْلِ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ فِي ذَلِكَ أَقْوَى فَيَكُونُ الْمَعْنَى مَنْ كَانَ عَلَى صِفَةِ الْمِثْلِ وَشَبَهِهِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ فَكَيْفَ الْمِثْلُ حَقِيقَةً فَيُفِيدُ الْكَلَامُ نَفْيَ التَّشْبِيهِ وَالتَّشْرِيكِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَعَقَّبَ هَذَا بِقَوْلِهِ (لَكِنْ لَيْسَ مِنْهُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ) لِيَنْتَفِيَ الْمِثْلُ (وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ نَفْيُ مِثْلِ مِثْلٍ لِثَابِتٍ لَهُ مِثْلٌ وَاحِدٌ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ مِثْلُ مِثْلِ زَيْدٍ أَحَدًا اقْتَضَى) هَذَا الْقَوْلُ (ثُبُوتَ مِثْلٍ لِزَيْدٍ وَصَرَفَ) هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا (لُزُومَ التَّنَاقُضِ) اللَّازِمِ مِنْ لُزُومِ نَفْيِ مِثْلِهِ لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ (إلَى نَفْيِ مِثْلٍ) آخَرَ (غَيْرِ زَيْدٍ) وَحِينَئِذٍ لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ (فَلَمْ يَتَّحِدْ مَحَلُّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الصَّرْفُ (أَظْهَرُ مِنْ صَرْفِهِ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ التَّنَاقُضَ (السَّابِقَ عَنْ ظُهُورِهِ) أَيْ الْمِثْلِ (فِي إثْبَاتِ الْمِثْلِ) إلَى نَفْيِ ذَاتِهِ وَإِثْبَاتِهِ (لِأَسْبَقِيَّةِ هَذَا) إلَى الْفَهْمِ
(مِنْ التَّرْكِيبِ فَالْوَجْهُ) فِي دَفْعٍ أَنَّهُ لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ اللَّازِمُ مِنْهُ نَفْيُ مِثْلِهِ (ذَلِكَ الدَّفْعُ) أَيْ دَفْعُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَدْ يُقَرِّرُ لُزُومَ نَفْيِ الْمِثْلِ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ مِثْلَ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ ذَاتُهُ تَعَالَى مَعَ وَصْفِ أَنَّهُ مِثْلُ الْمِثْلِ لِأَنَّ مِثْلَهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ لَهُ مِثْلٌ إلَّا ذَاتُهُ تَعَالَى وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ نَفْيُ مِثْلِهِ بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ وَهُوَ أَنَّ نَفْيَ مِثْلِ مِثْلِهِ إمَّا بِانْتِفَاءِ ذَاتِهِ أَوْ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ مُتَقَرِّرٌ فِي الْعُقُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥] فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ وَانْتِفَاءُ الْوَصْفِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْمِثْلِ فِي الْعَقْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute