لِلْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَمَا سَنَذْكُرُ وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ (عِنْدَ الْقَاضِي) لَا غَيْرَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَوَابُ الْخُصُومَةِ مَجَازًا وَالْخُصُومَةُ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا جَوَابُهَا أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ سَمَاعُ بَيِّنَةٍ وَلَا اسْتِحْلَافٌ وَلَا إعْدَاءٌ وَلَا حَبْسٌ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي وَمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ يَكُونُ صُلْحًا فَإِذَا كَانَ الْجَوَابُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بَلْ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ لِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ضِدُّ الْخُصُومَةِ
وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ مِمَّا سَبَقَ (فَيَعُمُّ) الْجَوَابُ (الْإِقْرَارَ) كَالْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْجَوَابَ كَلَامٌ يَسْتَدْعِيهِ كَلَامُ الْغَيْرِ وَيُطَابِقُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ جَابَ الْفَلَاةَ إذَا قَطَعَهَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ كَلَامَ الْغَيْرِ يَنْقَطِعُ بِهِ وَذَلِكَ كَمَا يَكُونُ بِلَا يَكُونُ بِنَعَمْ (وَلَا يُكَلِّمُ الصَّبِيَّ فَيَحْنَثُ بِهِ) أَيْ بِكَلَامِهِ حَالَ كَوْنِهِ (شَيْخًا) لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَبِيٌّ مَأْمُورٌ فِيهِ بِالْمَرْحَمَةِ شَرْعًا وَالْهَجْرُ يُنَافِيهِ فَانْصَرَفَ الْيَمِينُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَى خُصُوصِ ذَاتِ صَبِيٍّ إلَى خُصُوصِ ذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ فِيهَا آخَرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَنٍ مِنْ الصِّبَا أَوْ لِشِدَّةِ كَرَاهَةِ ذَاتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ شَيْخًا لِوُجُودِ ذَاتِهِ (بِخِلَافِ الْمُنْكِرِ) أَيْ لَا يُكَلِّمُ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشِرْ إلَى خُصُوصِ ذَاتٍ كَانَ الصِّبَا نَفْسُهُ مُثِيرَ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْيَمِينِ بِهِ لِقَصْدِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَحَلِفِهِ لَيَشْرَبَنَّ الْيَوْمَ خَمْرًا أَوْ لَيَسْرِقَنَّ اللَّيْلَةَ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَا حَرَامَيْنِ
(وَقَدْ يَتَعَذَّرُ حُكْمُهُمَا) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (فَيَتَعَذَّرَانِ) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْكَلَامُ لَغْوًا (كَبِنْتِي لِزَوْجَتِهِ الْمَنْسُوبَةِ) أَيْ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ الثَّابِتِ نَسَبُهَا مِنْ غَيْرِهِ هَذِهِ ابْنَتِي (فَلَا تَحْرُمُ) عَلَيْهِ أَبَدًا بِهَذَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهُ أَوْ أَصْغَرَ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ رَجَعَ بِأَنْ قَالَ: غَلِطْت أَوْ وَهِمْت (وَإِنْ أَصَرَّ) أَيْ دَامَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ (فَفَرَّقَ) أَيْ حَتَّى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا (مَنْعًا مِنْ الظُّلْمِ) أَيْ ظُلْمِهِ لَهَا بِتَرْكِ قُرْبَانِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ هُنَا (لِلِاسْتِحَالَةِ فِي الْأَكْبَرِ مِنْهُ) سِنًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَصِحَّةُ رُجُوعِهِ) عَنْ كَوْنِهَا بِنْتَهُ (فِي الْمُمْكِنَةِ) أَيْ فِي الْأَصْغَرِ مِنْهُ سِنًّا وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْحَالِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُتَحَقِّقِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَكْذِيبُ الشَّرْعِ) لَهُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ إبْطَالَهُ شَرْعًا (بَدَلُهُ) أَيْ قَائِمٌ مَقَامَ رُجُوعِهِ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ تَكْذِيبِ نَفْسِهِ (فَكَأَنَّهُ رَجَعَ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ صَحِيحٌ)
وَعِنْدَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لَا يَبْقَى الْإِقْرَارُ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مُطْلَقًا وَلَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِالْبُنُوَّةِ (فِي عَبْدِهِ الْمُمْكِنِ) كَوْنُهُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ صِغَرُ سِنِّهِ الثَّابِتِ نَسَبُهُ مِنْ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَبْدُ وَالْأَبُ لَا يَتَضَرَّرَانِ بِهَا وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَلَهَا حُكْمٌ يُصَارُ إلَى إثْبَاتِ حُكْمِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مَجَازًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَحَيْثُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ (لِعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ) وَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِهَذَا الْأَصْلِ فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ هَذِهِ بِنْتِي (وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ) أَيْ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِهَذِهِ بِنْتِي (إمَّا حُكْمًا لِلنَّسَبِ وَهُوَ) أَيْ النَّسَبُ قَدْ ثَبَتَ (مِنْ الْغَيْرِ) فَيَثْبُتُ لِلْغَيْرِ لَا لَهُ (أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ) لِهَذِهِ بِنْتِي (فِيهِ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ (وَهُوَ) أَيْ تَحْرِيمُ النَّسَبِ (مُنَافٍ لِسَبْقِ الْمِلْكِ) أَيْ لِلنِّكَاحِ لِمُنَافَاتِهِ لِمِلْكِ النِّكَاحِ لِانْتِفَاءِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ (لَا أَنَّهُ) أَيْ تَحْرِيمَ النَّسَبِ (مِنْ حُقُوقِهِ) أَيْ مِلْكِ النِّكَاحِ (وَاَلَّذِي مِنْ حُقُوقِهِ) أَيْ وَالتَّحْرِيمُ الَّذِي هُوَ مِنْ حُقُوقِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَهُوَ إنْشَاءُ التَّحْرِيمِ الْكَائِنِ بِالطَّلَاقِ (لَيْسَ اللَّازِمَ) لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِهَذِهِ بِنْتِي (لِيَتَجَوَّزَ بِهِ) أَيْ بِهَذِهِ بِنْتِي (فِيهِ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ الْكَائِنِ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ بَيْنَ التَّحْرِيمَيْنِ مُنَافَاةٌ لِتَنَافِي لَوَازِمِهِمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُنَافِي مَحَلِّيَّةَ النِّكَاحِ وَيُثْبِتُ حُرْمَةً لَا تَرْتَفِعُ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَالْآخَرُ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يَخْرُجُ الْمَحَلُّ عَنْ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ وَيَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ وَتَنَافِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute