سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا (زَائِدَةٌ وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهَا زَائِدَةً (اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ مُتَحَقِّقٌ) كَمَا يَشْهَدُ بِهِ التَّتَبُّعُ (وَإِفَادَةُ الْبَعْضِيَّةِ لَمْ تُثْبِتْ بَعْدُ) مَعْنَى مُسْتَقِلًّا لَهَا (فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ) أَيْ كَوْنِهَا زَائِدَةً (أَوْلَى) مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْبَعْضِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ) عَلَى الْبَعْضِيَّةِ (إذْ الْمُتَحَقِّقُ عِلْمُ الْبَعْضِيَّةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ) عِلْمُهَا (عَلَى الْبَاءِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّهَا) أَيْ النَّاقَةَ (لَمْ تَشْرَبْ كُلَّ مَاءِ الدَّحْرَضَيْنِ وَلَا اسْتَغْرَقْنَ) أَيْ السُّحُبُ (الْبَحْرَ) قُلْت: وَهَذَا مِمَّا يَمْنَعُ الْحَمْلُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ كَثِيرَةً فِي الْمَفْعُولِ بِهِ وَلَا سِيَّمَا وَهِيَ غَيْرُ مَقِيسَةٍ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ مَا أَمْكَنَ تَخْرِيجُهُ عَلَى غَيْرِ الزِّيَادَةِ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالزِّيَادَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: وَالْأَجْوَدُ تَضْمِينُ شَرِبْنَ مَعْنَى رُوِينَ
(وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ هَذَا التَّبْعِيضِ (تَبْعِيضُ الرَّأْسِ فَإِنَّهَا) أَيْ الْبَاءَ (إذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ الرَّأْسِ (تَعَدَّى الْفِعْلُ) أَيْ الْمَسْحُ (إلَى الْآلَةِ الْعَادِيَةِ) لِلْمَسْحِ (أَيْ الْيَدِ فَالْمَأْمُورُ اسْتِيعَابُهَا) أَيْ الْآلَةِ (وَلَا يَسْتَغْرِقُ) اسْتِيعَابُهَا (غَالِبًا سِوَى رُبُعِهِ) أَيْ الرَّأْسِ (فَتَعَيَّنَ) الرُّبُعُ (فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَلَزِمَ التَّبْعِيضُ عَقْلًا غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهَا) أَيْ الْبَاءِ (وَلَا عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي) سُنَنِ (أَبِي دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ) فَهُوَ حُجَّةٌ لِقَوْلِهِ ذَكَرْت فِيهِ الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ وَقَوْلُهُ مَا كَانَ فِي كِتَابِي مِنْ حَدِيثٍ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ فَقَدْ بَيِّنَتُهُ وَمَا لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ وَبَعْضُهَا أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَعَلَى هَذَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِهِ مَذْكُورًا مُطْلَقًا وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَلَا نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ عَرَفْنَاهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْحَسَنِ عِنْدَهُ وَتَعَقَّبَ ابْنُ رَشِيدٍ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ صَحِيحًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ غَيْرِهِ كَذَلِكَ دُفِعَ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ إلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَبْلُغَهَا عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ فَهُوَ صَالِحٌ أَيْ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْيُهُ انْقِسَامُ الْحَدِيثِ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ كَالْمُتَقَدِّمِينَ فَهُوَ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ يُقَالَ: صَالِحٌ كَمَا هُوَ قَالَ وَلَفْظُ حَدِيثِهِ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَطَرِيَّةٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ» (بَلْ هُوَ) أَيْ حَدِيثُ أَنَسٍ (مَعَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ) الْمَذْكُورِ آنِفًا (قَائِم عَلَى مَالِكٍ) فِي إيجَابِ مَسْحِ الْجَمِيعِ (إذْ قَوْلُهُ) أَيْ أَنَسٍ (فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ) وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ يَدَهُ (مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ ظَاهِرٌ فِي الِاقْتِصَارِ) عَلَيْهِ وَهُوَ الرُّبُعُ الْمُسَمَّى بِالنَّاصِيَةِ كَمَا يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ وَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ أَوْ قَالَ: النَّاصِيَةُ» وَهَذَا حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا كَيْفَ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِالْمُتَّصِلِ نَعَمْ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْمَفْرُوضِ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَشْبَهُ دَلِيلًا
وَأَمَّا أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَيُعَكِّرُهُ أَنَّ فِي الْأَصْلِ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَذْكُورُ فِيهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (وَلُزُومُ تَكَرُّرِ الْإِذْنِ) لِلْبِرِّ (فِي إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي لِأَنَّهُ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ (مُفَرَّغٌ لِلْمُتَعَلِّقِ أَيْ) إنْ خَرَجْت خُرُوجًا (إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِهِ) أَيْ بِإِذْنِي (فَمَا لَمْ يَكُنْ) مِنْ الْخُرُوجِ (بِهِ) أَيْ بِأَنَّهُ (دَاخِلٌ فِي الْيَمِينِ لِعُمُومِ النَّكِرَةِ) الْمُؤَوَّلَةِ مِنْ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا تَخْرُجِي خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي (فَيَحْنَثُ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْخُرُوجِ الَّذِي لَيْسَ بِإِذْنِهِ (بِخِلَافِ) إنْ خَرَجْت (إلَّا أَنْ آذَنَ) لَك (لَا يَلْزَمُ فِي الْبَرِّ تَكَرُّرُهُ) أَيْ إذْنِهِ (لِأَنَّ الْإِذْنَ غَايَةٌ) لِلْخُرُوجِ (تَجَوُّزٌ بِإِلَّا فِيهَا لِتَعَذُّرِ اسْتِثْنَاءِ الْإِذْنِ مِنْ الْخُرُوجِ) لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا يَحْسُنُ فِيهِ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ لِاخْتِلَالِ إنْ خَرَجْت خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا قَصْرٌ لِامْتِدَادِ الْمُغَيَّا وَبَيَانٌ لِانْتِهَائِهِ كَمَا أَنَّهُ قَصْرٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيَانٌ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهِ وَأَيْضًا كُلٌّ مِنْهُمَا إخْرَاجٌ لِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ فَلَا بِدْعَ فِي أَنْ يَتَجَوَّزَ بِإِلَّا فِيهَا (وَبِالْمَرَّةِ) مِنْ الْإِذْنِ (يَتَحَقَّقُ) الْبَرُّ (فَيَنْتَهِي الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلُزُومُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ) مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فِي دُخُولِ بُيُوتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ تِلْكَ الصِّيغَةِ) أَيْ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ لَيْسَ بِهَا بَلْ (بِخَارِجٍ) عَنْهَا أَيْ (تَعْلِيلِهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute