للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا» وَمَا ذَاكَ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا لِيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا خِطَابَ الصَّبِيِّ بِهَا نَدْبًا) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَرَتُّبُ الثَّوَابِ لَهُ) أَيْ لِلصَّبِيِّ عَلَى فِعْلِهَا عَلَى وَجْهِهَا (ظَاهِرٌ) فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ التَّكْلِيفِ بَلْ لِأَنَّ مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى أَنْ لَا يُضِيعَ أَجْرَ مِنْ أَحْسَنَ عَمَلًا

فَإِنْ قِيلَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقِيَاسِ لِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ شَرْعِيٌّ وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ حُكْمَ رَسُولِهِ أَوْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ قُلْنَا: مَمْنُوعٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ دَلِيلُ حُكْمِهِ تَعَالَى وَكَاشِفٌ عَنْهُ وَكَذَا الْبَاقِي فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِمَا سِوَى الْكِتَابِ دَاخِلٌ) فِي حُكْمِهِ تَعَالَى (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِأَحَدِ هَذِهِ (خِطَابُهُ تَعَالَى وَالثَّلَاثَةُ كَاشِفَةٌ) ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْأَصْلِ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِهِمَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُمَا أَيْضًا مُظْهِرَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ فَهِيَ كُلُّهَا مُظْهِرَةٌ وَلَا فَرْقَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقِيَاسَ يُظْهِرُ بِوَاسِطَةِ إظْهَارِهِ تَنَاوَلَ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ فَالْكُلُّ مُظْهِرٌ بِالذَّاتِ وَبِوَاسِطَةٍ وَحِينَئِذٍ صَحَّ أَنَّ الْكُلَّ مُثْبِتَةٌ وَهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ السُّنَّةَ مُثْبِتَةٌ فَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَاشِفَةٌ وَمُظْهِرَةُ بَيَانِ أَنَّهَا بِاعْتِبَارِ كَشْفَهَا سُمِّيَتْ مُثْبِتَةً فَلِذَا قَالَ (وَبِهَذَا الْقَدْرِ قِيلَ مُثْبِتَةٌ) وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُقَالَ فِي نَظْمِ الْكِتَابِ إنَّهُ كَاشِفٌ أَيْضًا فَقَالَ: هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَرَكُوا عَدَّهُ مِنْهُ سَدٌّ لِطَرِيقِ التَّحْرِيفِ وَالنَّفْيِ إذْ يُقَالُ لَيْسَ كَلَامَهُ بَلْ هُوَ كَاشِفٌ عَنْهُ فَيَتَطَرَّقُ إلَى مَا لَا يَلِيقُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَتَرْكُهُمْ عَدَّ نَظْمِ الْقُرْآنِ مِنْهُ سَدًّا لِطَرِيقِ التَّحْرِيفِ وَإِلَّا فَهُوَ الْكَاشِفُ عَنْ النَّفْسِيِّ بِالذَّاتِ ثُمَّ قِيلَ الصَّحِيحُ) وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ الْأَحْسَنُ وَفِي شَرْحِ السُّبْكِيّ الْأَوْضَحُ (بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِيَدْخُلَ خُصُوصِيَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْخَاصَّ بِوَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ

وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ التَّنَاوُلُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ (وَلَا يُفِيدُ) الْعُدُولَ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ إلَى الْمُكَلَّفِ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُكَلَّفِ (كَالْمُكَلَّفِينَ عُمُومًا وَيُدْفَعُ) أَصْلُ الِاعْتِرَاضِ (بِأَنَّ صِدْقَ عُمُومِ الْمُكَلَّفِينَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صُدُورِ كُلِّ فِعْلٍ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ بَلْ لَوْ انْقَسَمَتْ الْآحَادُ) مِنْ الْأَفْعَالِ (عَلَى الْآحَادِ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي تَوْزِيعَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ فَيَتَنَاوَلُ الْخِطَابَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ بِمُكَلَّفٍ وَاحِدٍ (صَدَقَ) الْعُمُومُ (أَيْضًا) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمُرَادِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ: زَيْدٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا وَلَيْسَ هُنَاكَ مَجَازٌ بِإِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ رُكُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِجِنْسِ هَذَا الْجَمْعِ لَا بِجِنْسِ الْحِمَارِ مَثَلًا، فَالْمُرَادُ تَعَلُّقُهُ بِجِنْسِ الْفِعْلِ مِنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِ لَا تَعَلُّقُهُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ (ثُمَّ الِاقْتِضَاءُ إنْ كَانَ حَتْمًا لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفَّ فَالْإِيجَابُ وَهُوَ) أَيْ هَذَا (هُوَ نَفْسُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ وَيُسَمَّى وُجُوبًا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِعْلِ) فَالْإِيجَابُ وَالْوُجُوبُ مُتَّحِدَانِ ذَاتًا لِأَنَّهُمَا مَعْنَى افْعَلْ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الْمُتَعَلِّقُ بِالْفِعْلِ مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ إيجَابٌ وَبِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ وُجُوبٌ (وَهُوَ) أَيْ الْوُجُوبُ هُنَا مُرَادٌ بِهِ (غَيْرُ) الْمُرَادِ بِهِ فِي (الْإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ) فَإِنَّ الْمَذْكُورَ ثَمَّةَ أَنَّ الْوُجُوبَ يُقَالُ لِصِفَةِ الْفِعْلِ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْخِطَابِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ يُقَالُ لِنَفْسِ الْإِيجَابِ بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِعْلِ هَذَا وَقَدْ أُورِدَ الْوُجُوبُ مُرَتَّبًا عَلَى الْإِيجَابِ يُقَالُ: أَوْجَبَ الْفِعْلَ فَوَجَبَ وَذَلِكَ يُنَافِي الِاتِّحَادَ وَأُجِيبَ بِجَوَازِ تَرَتُّبِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارٍ عَلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إذْ مَرْجِعُهُ إلَى تَرَتُّبِ أَحَدِ الِاعْتِبَارَيْنِ عَلَى الْآخَرِ

قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ: وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَمَّا قِيلَ: إنَّ الْإِيجَابَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَالْوُجُوبَ مِنْ مَقُولَةِ الِانْفِعَالِ وَدَعْوَى امْتِنَاعِ صِدْقِ الْمَقُولَاتِ عَلَى شَيْءٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مَحَلُّ مُنَاقَشَةٍ، نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرْتُمْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>