لِلْوُجُوبِ وَهُوَ مَا يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ (وَأَيْضًا الْإِجْمَاعُ عَلَى التَّأْثِيمِ) بِالتَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ (إجْمَاعٌ عَلَيْهِ) أَيْ تَخْصِيصِ الْآيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَمِنْ الْمُمْكِنَةِ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) أَيْ مِلْكُهُمَا ذَاتًا أَوْ مَنْفَعَةً بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ فِي الرَّاحِلَةِ بِحَيْثُ يَتَوَصَّلُ بِهِمَا إلَى الْحَجِّ (لِلْحَجِّ) لِأَنَّهُ لَا يُتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَتِهِ إلَّا بِهِ فِي الْعَادَةِ فِي جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ وَكَوْنُ بَعْضِهِمْ يُقَدَّرُ بِالْمَشْيِ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْلِيفُ بِاعْتِبَارِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ تَوَقَّفَ التَّكْلِيفُ عَلَى مَرَاكِبَ وَخَدَمٍ وَأَعْوَانٍ وَأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ وَلَمْ يَشْرِطْ فِي وُجُوبِهِ ذَلِكَ بَلْ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَكْتَرِيَ رَأْسَ زَامِلَةٍ أَوْ شِقٍّ مُحْمَلٍ لَهُ مَعَ زَادِهِ فَإِنَّ بِدُونِ هَذَا لَا يَتَحَقَّقُ قُدْرَةُ السَّفَرِ فِي الْعَادَةِ (وَالْمَالِ) أَيْ وَمِلْكُ الْمَالِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ (لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَلَا تَسْقُطُ) صَدَقَةُ الْفِطْرِ (بِهَلَاكِهَا) أَيْ هَذِهِ الْقُدْرَةِ بِوَاسِطَةِ هَلَاكِ الْمَالِ.
(الثَّانِيَةُ الْمُيَسِّرَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْأُولَى بِالْيُسْرِ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى) عَلَى الْعِبَادِ لِحُصُولِ السُّهُولَةِ فِي الْأَدَاءِ بِاشْتِرَاطِهَا وَلِهَذَا شُرِطَتْ فِي أَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ لَا الْبَدَنِيَّةِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ الْبَدَنِيَّةِ إذْ الْمَالُ مَحْبُوبُ النَّفْسِ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ وَمُفَارِقَةُ الْمَحْبُوبِ بِالِاخْتِيَارِ أَمْرٌ شَاقٌّ (كَالزَّكَاةِ زَادَتْ) الْقُدْرَةُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا وُجُوبُهَا (عَلَى أَصْلِ الْإِمْكَانِ) لِلْفِعْلِ (كَوْنُ الْمُخْرَجِ قَلِيلًا جِدًّا مِنْ كَثِيرٍ وَكَوْنُهُ) أَيْ الْمُخْرَجِ وَاقِعًا (مَرَّةً بَعْدَ الْحَوْلِ الْمُمْكِنِ مِنْ الِاسْتِنْمَاءِ فَتَقَيَّدَ الْوُجُوبُ بِهِ) أَيْ بِالْيُسْرِ (فَسَقَطَ) الْوُجُوبُ (بِالْهَلَاكِ) لِلْمَالِ لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ الَّتِي هِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ إذْ بَقَاؤُهَا شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ بِهَا لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُسْتَحَقَّ مَتَى وَجَبَ بِوَصْفٍ لَا يَبْقَى إلَّا كَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَيْنُ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً كَالْمِلْكِ إذَا ثَبَتَ مَبِيعًا أَوْ هِبَةً أَوْ إرْثًا يَبْقَى كَذَلِكَ وَهَذَا الْوَاجِبُ وَجَبَ بَعْضُ نَمَاءِ الْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَانْقَلَبَ غَرَامَةً فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي مَا كَانَ وَاجِبًا ابْتِدَاءً (وَانْتَفَى) الْوُجُوبُ (بِالدَّيْنِ) الَّذِي لَهُ مَطَالِبُ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ لِمُنَافَاتِهِ الْيُسْرَ وَالْغِنَى لِكَوْنِ الْمَالِ مَشْغُولًا بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالْيُسْرُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَا فَضُلَ عَنْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَجِبُ فِي دُورِ السُّكْنَى وَأَثَاثِ الْمَنْزِلِ وَعَبِيدِ الْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فَسَقَطَ بِالْهَلَاكِ وَالدَّيْنِ لِأَنَّ السُّقُوطَ فَرْعُ الثُّبُوتِ وَبِالدَّيْنِ لَمْ تَجِبْ مِنْ الِابْتِدَاءِ لَا أَنَّهَا وَجَبَتْ ثُمَّ سَقَطَتْ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَاهُ بِمَا لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ الْعِبَادِ لِأَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَلَمْ يَنْتِفْ بِالدَّيْنِ الْمَذْكُورِ (انْقَلَبَ) الْيُسْرُ (عُسْرًا) أَيْ يَصِيرُ الْوَاجِبُ الْمُقَيَّدُ بِالْيُسْرِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِهِ (بِخِلَافِ الِاسْتِهْلَاكِ) لِلنِّصَابِ بَعْدَ تَوَفُّرِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ فِيهِ إنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ (لِتَعَدِّيهِ) أَيْ الْمَالِكِ (عَلَى حَقِّ الْفُقَرَاءِ) بِالْإِهْلَاكِ حَيْثُ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ أَوْ أَنْفَقَهُ فِي حَاجَتِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَاشْتِرَاطُ بَقَاءِ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ إنَّمَا كَانَ نَظَرًا لَهُ وَقَدْ خَرَجَ بِالتَّعَدِّي عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ النَّظَرَ فَلَمْ يَسْقُطْ الْوُجُوبُ أَوْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسِّرَةِ جُعِلَتْ بَاقِيَةً تَقْدِيرًا زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّعَدِّي وَرَدًّا لِقَصْدِهِ إسْقَاطَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَنْ نَفْسِهِ وَنَظَرًا لِلْفَقِيرِ
(وَهُوَ) أَيْ سُقُوطُ الْوَاجِبِ بِهَلَاكِ النِّصَابِ (بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ) أَيْ الْوَاجِبَ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ (جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ) أَيْ نَفْسِ الْمَخْرَجِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ النِّصَابِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] إذْ مَعْلُومٌ أَنَّ مُتَعَلِّقَ الْإِيتَاءِ هُوَ الْمَالُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: نَفْسَ الْإِيتَاءِ لِأَنَّهُمْ يَصِفُونَهُ بِالْوُجُوبِ وَمُتَعَلِّقُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ (وَلِذَا) أَيْ وَلِكَوْنِ الزَّكَاةِ جُزْءًا مِنْ الْعَيْنِ (سَقَطَتْ بِدَفْعِ النِّصَابِ) أَيْ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ (بِلَا نِيَّةٍ) أَصْلًا أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِوُصُولِ الْجُزْءِ الْوَاجِبِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ تَخُصُّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ قُرْبَةً إلَّا عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَجْزَاءِ وَالْفَرْضُ وُقُوعُهُ قُرْبَةً وَانْتِفَاءُ الْمُزَاحِمَةِ لِأَدَاءِ الْكُلِّ لِلَّهِ تَعَالَى (وَكَذَا الْكَفَّارَةُ) لِلْيَمِينِ وُجُوبُهَا بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ (بِدَلِيلِ تَخْيِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الْأَعْلَى بَيْنَهُ) أَيْ الْأَعْلَى (وَبَيْنَ الْأَدْنَى) أَيْ بَيْنَ التَّحْرِيرِ وَالْكُسْوَةِ وَالْإِطْعَامِ الْمُتَفَاوِتَةِ فِي الْمَالِيَّةِ تَفَاوُتًا ظَاهِرًا عَادَةً فَإِنَّ هَذَا إذْنٌ لِلْمُخَيَّرِ فِي التَّرَفُّقِ بِمَا هُوَ الْأَيْسَرُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ التَّخْيِيرَ فِيهَا وَإِنْ وَقَعَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتٍ فِي الصُّورَةِ فَهِيَ مُتَمَاثِلَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute