وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي هَاشِمٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ وَقَيَّدَ الشَّرْطَ بِالشَّرْعِيِّ لِأَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ لِلْفِعْلِ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ لِلْمُكَلَّفِ حَتَّى يَنْتَفِيَ التَّكْلِيفُ بِانْتِفَائِهِ وَلَيْسَ شَرْطًا فِيهِ إنْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهُ وَأَمَّا اللُّغَوِيُّ فَاسْتِعْمَالُهُ غَالِبًا فِي السَّبَبِ (بَلْ هِيَ) أَيْ مَسْأَلَةُ تَكْلِيفِ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ (تَمَامُ مَحَلِّهِ) أَيْ النِّزَاعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَيْضَاوِيِّ (وَالْخِلَافُ) بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (فِيهَا غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لَيْسَ شَرْطًا لِلتَّكْلِيفِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ (الْمُسْتَلْزِمِ عَدَمَ جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِالصَّلَاةِ حَالَ الْحَدَثِ بَلْ) الْخِلَافُ فِيهَا (ابْتِدَاءٌ فِي جَوَازِ التَّكْلِيفِ بِمَا شَرَطَ فِي صِحَّتِهِ الْإِيمَانَ حَالَ عَدَمِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ
(فَمَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ) مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ بِمَا الْإِيمَانُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ (لِخُصُوصِيَّةٍ فِيهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (لَا لِجِهَةِ عُمُومِهِ) أَيْ الْإِيمَانِ (وَهُوَ) أَيْ عُمُومُهُ (كَوْنُهُ شَرْطًا وَهِيَ) أَيْ الْخُصُوصِيَّةُ فِيهِ (أَنَّهُ أَعْظَمُ الْعِبَادَاتِ) وَكَيْفَ لَا وَهُوَ رَأْسُ الطَّاعَاتِ وَأَسَاسُ الْقُرُبَاتِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ (فَلَا يُجْعَلُ شَرْطًا تَابِعًا فِي التَّكْلِيفِ) لِمَا هُوَ دُونَهُ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْأُصُولِ وَنَقْضَ الْمَعْقُولِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ثُبُوتَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِالْأَوَامِرِ الْمُسْتَقِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِيهِ لَا أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْفُرُوعِ فَيَكُونُ ثُبُوتُ وُجُوبِهِ بِالْعِبَارَةِ لَا بِالِاقْتِضَاءِ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْعِبَارَةِ لَا يَنْفِي ثُبُوتَهُ بِالِاقْتِضَاءِ أَيْضًا وَأَنَّ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ بِهِمَا وَلَا فَسَادَ نَعَمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعِبَارَةُ لَزِمَ الْمَحْذُورُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ (وَمَنْ سِوَاهُمْ) أَيْ مَشَايِخَ سَمَرْقَنْدَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ (مُتَّفِقُونَ عَلَى تَكْلِيفِهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (بِهَا) أَيْ الْفُرُوعِ (وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ) أَيْ التَّكْلِيفَ (فِي حَقِّ الْأَدَاءِ كَالِاعْتِقَادِ أَوْ) فِي حَقِّ (الِاعْتِقَادِ) فَقَطْ (فَالْعِرَاقِيُّونَ) الْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ (بِالْأَوَّلِ) أَيْ الْأَدَاءِ وَالِاعْتِقَادِ (كَالشَّافِعِيَّةِ فَيُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهِمَا وَالْبُخَارِيُّونَ) مُخَاطَبُونَ (بِالثَّانِي) أَيْ بِالِاعْتِقَادِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ تَرْكِهِ (فَقَطْ يُعَاقَبُونَ وَلَيْسَ) جَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (مَحْفُوظًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ) نَصًّا (بَلْ أَخَذَهَا) أَيْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَهِيَ أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْعِبَادَاتِ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ (هَؤُلَاءِ) أَيْ الْبُخَارِيُّونَ (مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ) فِي الْمَبْسُوطِ (فِيمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ فَارْتَدَّ) ثُمَّ أَسْلَمَ (لَمْ يَلْزَمْهُ) مِنْ الْمَنْذُورِ شَيْءٌ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ كُلَّ عِبَادَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا التَّعْلِيلَ الْعِبَادَةَ الْمُؤَدَّاةَ وَهُوَ مَا أَدَّى الْمَنْذُورَ بَعْدُ (فَعُلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ يُبْطِلُ وُجُوبَ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ بِخِلَافِ الِاسْتِدْلَالِ بِسُقُوطِ الصَّلَاةِ أَيَّامَ الرِّدَّةِ) عَلَى هَذَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ (لِجَوَازِ سُقُوطِهِ) أَيْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ (بِالْإِسْلَامِ كَالْإِسْلَامِ بَعْدَ) الْكُفْرِ (الْأَصْلِيِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَالسُّقُوطُ بِإِسْقَاطِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يَكُونُ دَلِيلُ انْتِفَاءِ أَصْلِ الْوُجُوبِ
(وَلَوْ قِيلَ الرِّدَّةُ تُبْطِلُ الْقُرَبَ) لِأَنَّهَا حَسَنَاتٌ وَالرِّدَّةُ تُحْبِطُهَا (وَالْتِزَامُ الْقُرْبَةِ فِي الذِّمَّةِ قُرْبَةٌ فَيَبْطُلُ) النَّذْرُ (لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ) أَيْ أَخْذَ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّذْرِ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَقَدْ ظَفِرْت بِمَسَائِلَ عَنْ أَصْحَابِنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُمْ ذَلِكَ وَهِيَ: كَافِرٌ دَخَلَ مَكَّةَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَحْرَمَ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَهَا مُحْرِمًا وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ لَا يَلْزَمُهُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَلَوْ حَلَفَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَنِثَ فِيهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ الْمُطَلَّقَةُ الرَّجْعِيَّةُ تَنْقَطِعُ رَجْعَتَهَا بِانْقِطَاعِ دَمِ حَيْضَتِهَا الثَّالِثَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَلُزُومِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمَةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ رَجْعَتَهَا حَتَّى يَعْتَضِدَ الِانْقِطَاعُ بِالِاغْتِسَالِ أَوْ لُزُومِ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ بِمُضِيِّ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَقِيلَ: الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ دِيَانَةَ الْكَافِرِ وَاعْتِقَادَهُ دَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ دُونَ خِطَابِ الشَّرْعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَدَافِعَةٌ لِلتَّعَرُّضِ وَالْخِطَابِ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي تَحْتَمِلُ التَّغْيِيرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ بِتَنَاوُلِهِمْ النَّوَاهِيَ لِصِحَّةِ انْتِهَائِهِمْ عَنْ الْمَنْهِيَّاتِ دُونَ الْأَوَامِرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ إقْدَامِهِمْ عَلَى الْمَأْمُورَاتِ (وَظَاهِرُ) قَوْله تَعَالَى {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} [فصلت: ٦] {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: ٧] وقَوْله تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute