للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَقَعَتْ بِكَسْبِ زَيْدٍ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي قَامَتْ بِهِ قُدْرَةُ زَيْدٍ وَهُوَ نَفْسُ زَيْدٍ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ الْخَلْقِ بِالْإِنْشَاءِ وَالِاخْتِرَاعِ مِنْ الْعَدَمِ إلَى الْوُجُودِ وَعَنْ الْكَسْبِ بِالتَّسَبُّبِ إلَى ظُهُورِ ذَلِكَ الْخَلْقِ عَلَى الْجَوَارِحِ وَمِنْ هُنَا رَسَمَ بِظُهُورِ أَثَرِ الْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ فِي مَحَلِّ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ (وَلَوْ بَطَلَتْ هَذِهِ التَّفْرِقَةُ) بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْكَسْبِ (عَلَى تَعَذُّرِهِ) أَيْ بُطْلَانِهَا (وَجَبَ تَخْصِيصُ الْقَصْدِ الْمُصَمَّمِ مِنْ عُمُومِ الْخَلْقِ بِالْعَقْلِ)

وَإِنَّمَا وَجَبَ تَخْصِيصُهُ مِنْ عُمُومِ خَلْقِ كُلِّ شَيْءٍ لِلَّهِ (لِأَنَّهُ) أَيْ كَوْنَ الْقَصْدِ الْمُصَمَّمِ مَخْلُوقًا لِلْعَبْدِ (أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ فَائِدَةُ خَلْقِ الْقُدْرَةِ) الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا التَّمَكُّنُ مِنْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِلْعَبْدِ وَيَنْتَفِي بِهِ الْجَبْرُ (وَيُتَّجَهُ بِهِ حُسْنُ التَّكْلِيفِ الْمُسْتَعْقِبِ الْعِقَابَ بِالتَّرْكِ وَالثَّوَابِ بِالْفِعْلِ قَالُوا) أَيْ الْأَشَاعِرَةُ (خَامِسًا لَوْ حَسُنَ) الْفِعْلُ (لِذَاتِهِ أَوْ لِصِفَةٍ أَوْ اعْتِبَارٍ لَمْ يَكُنْ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُخْتَارًا فِي الْحُكْمِ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ (يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْفِعْلِ مِنْ الصِّفَةِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ الْمَعْقُولُ قَبِيحٌ لَا يَصِحُّ مِنْ الْبَارِي وَفِي التَّعَيُّنِ نَفْيُ الِاخْتِيَارِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ (وَجْهٌ عَامٌّ) لِرَدِّ قَوْلِ مَنْ عَدَاهُمْ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ (وَلَا يَلْزَمُنَا) مَعْشَرَ الْحَنَفِيَّةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْحُكْمَ (إذَا كَانَ قَدِيمًا عِنْدَنَا) كَمَا عِنْدَكُمْ لِأَنَّهُ كَلَامُهُ النَّفْسِيُّ (كَيْفَ يَكُونُ اخْتِيَارِيًّا فَهُوَ إلْزَامِيٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ وَمَدْفُوعٌ عَنْهُمْ بِأَنَّ غَايَتَهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (أَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي مُوَافَقَةِ تَعَلُّقِ حُكْمِهِ لِلْحِكْمَةِ وَذَلِكَ) الِاخْتِيَارُ فِي هَذِهِ الْمُوَافَقَةِ (لَا يُوجِبُ اضْطِرَارَهُ) تَعَالَى لِلْحُكْمِ (وَلَنَا فِي الثَّانِي) أَيْ عَدَمِ اسْتِلْزَامِ اتِّصَافِ الْفِعْلِ حُكْمًا لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ (لَوْ تَعَلَّقَ) الْحُكْمُ بِالْفِعْلِ الْمُتَّصِفِ بِالْحُسْنِ (قَبْلَ الْبِعْثَةِ لَزِمَ التَّعْذِيبُ بِتَرْكِهِ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ الْحُكْمُ (فِي الْجُمْلَةِ) كَأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ الْوُجُوبُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِتَرْكِهِ الْعَفْوُ (وَهُوَ) أَيْ التَّعْذِيبُ بِتَرْكِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ (مُنْتَفٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: ١٥] قِيلَ أَيْ وَلَا مُثِيبِينَ فَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الثَّوَابِ بِذَكَرِ الْعَذَابِ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ فِي تَحَقُّقِ مَعْنَى التَّكْلِيفِ (وَتَخْصِيصُهُ) أَيْ الْعَذَابِ بِعَذَابِ الدُّنْيَا كَمَا جَرَى لِلْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ مُكَذِّبِي الرُّسُلِ أَوْ بِمَا عَدَا الْإِيمَانِ مِنْ الشَّرَائِعِ تَخْصِيصٌ (بِلَا دَلِيلٍ) يُعَيِّنُهُ وَمِنْ الظَّاهِرِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرَّسُولِ الْعَقْلَ (وَنَفْيُ التَّعْذِيبِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ نَفْيَ التَّكْلِيفِ) قَطْعًا (عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ) وَمُوَافِقِيهِ لِجَوَازِ الْعَفْوِ عِنْدَهُمْ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِتَرْكِ مَا كُلِّفَ بِهِ (خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ) فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ قَطْعًا لِعَدَمِ تَجْوِيزِهِمْ الْعَفْوَ عَنْهُ بِتَرْكِ مَا كُلِّفَ بِهِ (لَكِنَّهُ) أَيْ نَفْيَ التَّعْذِيبِ وَالْأَحْسَنِ فَهُوَ (يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ نَفْيَ التَّكْلِيفِ عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ (فِي الْجُمْلَةِ) يَعْنِي وَإِنْ اخْتَلَفَ فِي جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ بَعْضِهَا (وَإِنَّمَا لَا يَلْزَمُ) التَّعْذِيبُ (فِي مُعَيَّنٍ) مِنْ تِلْكَ التَّكْلِيفَاتِ (فَنَفْيُهُ) أَيْ التَّعْذِيبِ (مُطْلَقًا) إنَّمَا هُوَ (لِنَفْيِهِ) أَيْ التَّكْلِيفِ

(وَأَيْضًا {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ} [طه: ١٣٤] الْآيَةُ) أَيْ {لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: ١٣٤] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى (لَمْ يَرُدَّ عُذْرَهُمْ وَأَرْسَلَ) إلَيْهِمْ (كَيْ لَا يَعْتَذِرُوا بِهِ) أَيْ بِعَدَمِ إرْسَالِهِ (وَأَيْضًا {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥] فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الْحُجَّةِ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَوْ عَذَّبَهُمْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَيُفِيدُ أَمْنَهُمْ مِنْ الْعَذَابِ وَهُوَ مُوجِبٌ عَدَمَ الْحُكْمِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ أَصْلًا لِكَوْنِ عَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الْعَذَابِ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ مُطْلَقًا (قَالُوا) أَيْ الْمُعْتَزِلَةُ (لَوْ لَمْ يَثْبُتْ) حُكْمٌ مَا إلَّا بِالشَّرْعِ (لَزِمَ إفْحَامُ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ عَجْزُهُمْ عَنْ إثْبَاتِ الْبَعْثَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ إذَا ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَأَتَى بِالْمُعْجِزِ فَحِينَئِذٍ (إذَا قَالَ) النَّبِيُّ لِلْمَبْعُوثِ إلَيْهِ (اُنْظُرْ) فِي مُعْجِزِي (لِتَعْلَمَ) صِدْقِي (قَالَ لَا أَنْظُرُ) فِيهِ (مَا لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ) أَيْ وُجُوبُ النَّظَرِ (عَلَيَّ) إذْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ (وَلَا يَثْبُتُ) الْوُجُوبُ عَلَى (مَا لَمْ أَنْظُرْ) فِي مُعْجِزِكَ إذْ لَا وُجُوبَ بِالْفَرْضِ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ فَوُجُوبُ النَّظَرِ فِيهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الشَّرْعِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى النَّظَرِ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْ النَّظَرِ وَوُجُوبِهِ عَلَى الْآخَرِ (أَوْ) قَالَ هَذَا الْمَعْنَى بِعِبَارَةٍ أَوْضَحَ وَهِيَ لَا يَجِبُ النَّظَرُ عَلَى (مَا لَمْ يَثْبُتْ الشَّرْعُ إلَى آخِرِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>