للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَرَاخِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَالْخِطَابِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ هُنَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَقِظَةِ وَالِانْتِبَاهِ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ، وَقَالَ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْقَوَاعِدِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْأَدَاءَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَمَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِالْأَمْرِ هُوَ مَا يَأْتِيَانِ بِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ وَالْمِثْلُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ الْمُكَلَّفُ مُخَاطَبًا بِالْأَصْلِيِّ وَقَدْ فَاتَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِفَهْمِ الْخِطَابِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ أَبِي الْمُعِينِ فَيَنْدَفِعُ بِمَا يَنْدَفِعُ بِهِ وَالْأَشْبَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ قِوَامِ الدِّينِ الْأَتْقَانِيِّ اسْتِعَارَةُ مَعْنَى الْأَدَاءِ لِلْقَضَاءِ لِوُجُودِ مَعْنَى التَّسْلِيمِ فِيهِمَا لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْأَدَاءِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ إذْ هِيَ تَسْلِيمُ الْوَاجِبِ فِي وَقْتِهِ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مُجَرَّدَ التَّسْلِيمِ فَلَا يُخَالِفُ فِي الْمَعْنَى كَوْنُهُ قَضَاءً كَمَا أَطْلَقَهُ الْقَوْمُ (وَالِاتِّفَاقُ عَلَى انْتِفَاءِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ) أَيْ النَّائِمِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ فِيهِ أَيْضًا الْأَدَاءَ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ فِيهِ مَطْلُوبًا حَتَّى يَأْثَمَ بِتَرْكِهِ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اسْتِطَاعَةِ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ وَنَوْعٌ لَا يَكُونُ نَفْسُ الْفِعْلِ فِيهِ مَطْلُوبًا بَلْ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ ثُبُوتُ خَلْفِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ حَتَّى لَا يَأْثَمَ بِتَرْكِ الْفِعْلِ وَيَكْفِي فِيهِ تَصَوُّرُ ثُبُوتِ الِاسْتِطَاعَةِ فَفِي مَسْأَلَةِ النَّائِمِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ غَيْرُ مَوْجُودٍ لِفَوَاتِ اسْتِطَاعَةِ سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي مَوْجُودٌ لِتَصَوُّرِ حُدُوثِهَا بِالِانْتِبَاهِ فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ بِنَاءً عَلَى هَذَا وَعَدَمُ الْإِثْمِ بِنَاءً عَلَى انْتِقَاءِ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَبْسُوطِ مَا يُوَافِقُ هَذَا وَلَكِنْ عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ انْفِصَالَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَنْ نَفْسِ الْوُجُوبِ وَقِيلَ الْقَضَاءُ مَبْنِيٌّ عَلَى نَفْسِ الْوُجُوبِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوُجُوبَ إذْ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ أَوْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَإِنْ أَمْكَنَ إيجَابُ الْأَدَاءِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ ثَابِتًا أَوَّلًا ثُمَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِهِ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَصْلُحَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِإِفْضَائِهِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لِمَانِعٍ ظَهَرَ وُجُوبُ الْقَضَاءِ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْخَلْفِيَّةِ وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ وَهُوَ الْوَقْتُ يَصْلُحُ لِلْإِفْضَاءِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ وَالْمُفِيقِ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُفْضِيًا إلَى الْقَضَاءِ فِي حَقِّ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ قَالَ الْكَاكِيُّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُرَدُّ الْمَنْعُ الْمَذْكُورُ وَلَكِنْ يُرَدُّ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ اهـ هَذَا وَقَدْ عَلَّلُوا عَدَمَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْوَقْتَ كُلَّهُ بِعَدَمِ الْخِطَابِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ مَنْ لَا يَفْهَمُ لَغْوٌ وَفِي التَّلْوِيحِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ عَدَمَ الْخِطَابِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ اللَّغْوُ أَنْ لَوْ كَانَ مُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَ فِي حَالَةِ النَّوْمِ مَثَلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِأَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ وَالْمَرِيضُ مُخَاطَبٌ بِأَنْ يَفْعَلَ فِي الْوَقْتِ أَوْ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ كَمَا فِي الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا خِطَابَ الْمَعْدُومِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ صُدُورُ الْفِعْلِ حَالَةَ الْوُجُودِ حَتَّى قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مِنْ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ الْقُدْرَةُ الَّتِي بِهَا يَتَمَكَّنُ الْمَأْمُورُ مِنْ الْأَدَاءِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ الْأَمْرِ بَلْ عِنْدَ الْأَدَاءِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَبْعُوثًا إلَى النَّاسِ كَافَّةً وَصَحَّ أَمْرُهُ فِي حَقِّ مَنْ وُجِدَ بَعْدَهُ وَيَلْزَمُهُمْ الْأَدَاءُ بِشَرْطِ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ وَيَتَمَكَّنُوا مِنْ الْأَدَاءِ وَقَدْ يُصَرَّحُ بِذَلِكَ، كَالْمَرِيضِ يُؤْمَرُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا بَرَأَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النساء: ١٠٣] أَيْ إذَا أَمِنْتُمْ مِنْ الْخَوْفِ فَصَلُّوا بِلَا إيمَاءٍ اهـ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّائِمُ مُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ، وَالْمَرِيضُ مُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَ فِي الْوَقْتِ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ، وَإِلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ أَيْضًا مُكَلَّفًا، وَمُخَاطَبًا بِأَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي أَنَّ حُصُولَ الشَّرْطِ الشَّرْعِيِّ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ كَالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي التَّكْلِيفِ بِأَدَائِهِ وَلَيْسَ شَرْطًا فِي التَّكْلِيفِ بِوُجُوبِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الْمُكَلَّفُ النَّائِمُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مُكَلَّفًا

<<  <  ج: ص:  >  >>