للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَارِئًا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ حِينَئِذٍ يَصْلُحُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ السَّارِي إلَى الْقَدَمِ وَظَهَرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَخْرَجَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَدَثِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِي الرِّجْلِ مَا دَامَتْ مُسْتَتِرَةً بِالْخُفِّ وَجَعَلَ الْخُفَّ مَانِعًا مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ (وَقَوْلُهُمْ) أَيْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (الْأَخْذُ بِالْعَزِيمَةِ) وَهُوَ غَسْلُ الرِّجْلِ (أَوْلَى) مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ فِيهَا (مَعْنَاهُ إمَاطَةُ) أَيْ إزَالَةُ (سَبَبِ الرُّخْصَةِ بِالنَّزْعِ) لِلْخُفِّ لِيَغْسِلَهُمَا أَوْلَى مِنْ عَدَمِهَا لِيَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ هَذَا.

وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ أَنَّ كَوْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ سَهْوٌ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ هَذَا النَّوْعِ أَنْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً مَعَهُ لَكِنَّ الْغَسْلَ فِي الرِّجْلِ مَشْرُوعٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ فِي الْمَاءِ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغُسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ.

وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ مَبْنَى هَذِهِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورِينَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُزَلْ بِهِ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ تَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغُسْلِ كَالْفَخِذِ وَوِزَانُهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ فَوْقَ الْخُفَّيْنِ. وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْأَجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ، ثُمَّ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغُسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعِ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغُسْلِ وَقَدْ حَصَلَ اهـ قُلْت عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لِلْفَرْعِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ بَلْ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ فَلَا يَقَعُ هَذَا غَسْلًا مُعْتَبَرًا فَلَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمَسْحِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُجْتَبِي وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْعِيَاضِيِّ لَا يَنْتَقِضُ، وَإِنْ بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ وَلَا رَيْبَ فِي اتِّجَاهِ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَالْأَوْجَهُ إلَخْ يُفِيدُ تَمْشِيَةَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلِ إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ثَانِيًا إذَا نَزَعَهُمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ أَوْ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَعْمَلُ ذَلِكَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ مِنْ السِّرَايَةِ إلَى الرِّجْلَيْنِ وَقْتَئِذٍ فَيَحْتَاجُ إلَى مُزِيلٍ لَهُ عَنْهُمَا حِينَئِذٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُزِيلَ لَا يَظْهَرُ عَمَلُهُ فِي حَدَثٍ طَارِئٍ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(وَالسَّلَمُ) وَهُوَ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ (سَقْطُ اشْتِرَاطُ مِلْكِ الْمَبِيعِ) فِيهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى اشْتِرَاطِهِ فِيمَا عَدَاهُ مِنْ الْبِيَاعَاتِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ لِتَرْخِيصِهِ فِيهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَقَالَ مَنْ أَسَلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» تَيْسِيرًا وَتَخْفِيفًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَفَالِيسِ فَكَانَ رُخْصَةً مَجَازًا لَا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرِّمَ قَدْ انْعَدَمَ فِي حَقِّهِ شَرْعًا (فَلَوْ لَمْ يَبِعْ سَلَمًا وَتَلِفَ جُوعًا) أَيْ حَتَّى إنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبُولِ السَّلَمِ عِنْدَ الْجُوعِ حَتَّى مَاتَ (أَثِمَ) كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ (وَاكْتَفَى بِالْعَجْزِ التَّقْدِيرِيِّ عَنْ الْمَبِيعِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي مِلْكِهِ وَلَكِنَّهُ مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ إذْ السَّلَمُ عَقْدٌ بِأَرْخَصِ الثَّمَنَيْنِ فَإِقْدَامُهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْرُوفٌ إلَى حَاجَتِهِ وَإِلَّا حَجَزَهُ عَقْلُهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ (فَلَمْ يَشْرِطْ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَجْزِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي مِلْكِهِ حَقِيقَةً (وَاقْتَصَرَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَا شُرِعَ مِنْ الْأَحْكَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>