للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَصَرُ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الْعُصْبَتَيْنِ الْمُجَوَّفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَتَيَامَنُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَسَارًا وَيَتَيَاسَرُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَمِينًا ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ عَلَى تَقَاطُعِ صَلِيبَيْنِ ثُمَّ يَنْفُذُ النَّابِتُ مِنْهُمَا يَمِينًا إلَى الْحَدَقَةِ الْيُمْنَى وَالنَّابِتِ يَسَارًا إلَى الْحَدَقَةِ الْيُسْرَى يُدْرِكُ بِهَا الْأَضْوَاءَ وَالْأَلْوَانَ وَالْأَشْكَالَ وَالْمَقَادِيرَ وَالْحُسْنَ وَالْقُبْحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَالشَّمُّ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُودَعَةٌ فِي الزَّائِدَتَيْنِ النَّابِتَتَيْنِ فِي مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ الشَّبِيهَتَيْنِ بِحَلَمَتَيْ الثَّدْيِ يُدْرِكُ بِهَا الرَّوَائِحَ بِطَرِيقِ وُصُولِ الْهَوَاءِ الْمُتَكَيِّفِ بِكَيْفِيَّةِ ذِي الرَّائِحَةِ إلَى الْخَيْشُومِ.

(قِيلَ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ (هُوَ) أَيْ الْمَبْدَأُ (ارْتِسَامُ الْمَحْسُوسَاتِ أَيْ) انْطِبَاعُ (صُوَرِهَا) أَيْ الْمَحْسُوسَاتِ (فِيهَا) أَيْ الْحَوَاسِّ الْمَذْكُورَةِ لَا نَفْسِهَا فَإِنَّ الْمَحْسُوسَ هُوَ هَذَا اللَّوْنُ الْمَوْجُودُ فِي الْخَارِجِ مَثَلًا وَهُوَ لَيْسَ بِمُرْتَسَمٍ فِي الْبَاصِرَةِ بَلْ صُورَتُهُ كَمَا أَنَّ الْمَعْلُومَ هُوَ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ وَالْحَاصِلُ فِي النَّفْسِ صُورَتُهُ وَمَعْنَى مَعْلُومِيَّتِهِ حُصُولُ صُورَتِهِ لَا حُصُولُ نَفْسِهِ (وَنِهَايَتُهُ) أَيْ دَرْكِهَا (فِي الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ) الْخَمْسِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ (وَهِيَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ فِي مُقَدَّمِ الدِّمَاغِ) ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي مُقَدَّمِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الدِّمَاغِ وَمَبَادِئِ عَصَبِ الْحِسِّ يَجْتَمِعُ فِيهَا صُوَرُ جَمِيعِ الْمَحْسُوسَاتِ فَيُدْرِكُهَا (فَيُودِعُهَا) أَيْ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ صُوَرَهَا (خِزَانَتَهُ) أَيْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ يَعْنِي (الْخَيَالَ) لِيَحْفَظَهَا إذْ هِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي مُؤَخَّرِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الدِّمَاغِ يَجْتَمِعُ فِيهَا مِثْلُ الْمَحْسُوسَاتِ وَتَبْقَى فِيهَا بَعْدَ الْغَيْبَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ (ثُمَّ الْمُفَكِّرَةُ) ، وَهِيَ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا يَقَعُ التَّرْكِيبُ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ الْحِسِّ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَعَانِي الْمُدْرَكَةِ بِالْوَهْمِ كَإِنْسَانٍ لَهُ رَأْسَانِ أَوْ عَدِيمِ الرَّأْسِ وَالْمُرَادُ بِالصُّوَرِ مَا يُمْكِنُ إدْرَاكُهُ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَبِالْمَعَانِي مَا لَا يُمْكِنُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (تَأْخُذُهَا) أَيْ الْمُفَكِّرَةَ صُوَرُ الْمَحْسُوسَاتِ (لِلتَّرْكِيبِ كَمَا تَأْخُذُ) الْمُفَكِّرَةُ (مِنْ خِزَانَةِ الْوَهْمِ) أَيْ الْقُوَّةُ (الْحَافِظَةُ فِي الْمُؤَخَّرِ) أَيْ مُؤَخَّرِ الدِّمَاغِ (مُسْتَوْدَعَاتِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَحْسُوسِ) .

فَالْوَهْمُ قُوَّةٌ مُرَتَّبَةٌ فِي آخَرِ الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا تُدْرَكُ الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةُ الْغَيْرُ الْمَحْسُوسَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ تَتَأَدَّ إلَيْهَا مِنْ طُرُقِ الْحَوَاسِّ وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْمَحْسُوسَاتِ (كَصَدَاقَةِ زَيْدٍ) وَعَدَاوَةِ عَمْرٍو وَالْحَافِظَةُ قُوَّةٌ مَرْتَبَةٌ فِي الْبَطْنِ الْأَخِيرِ مِنْ الدِّمَاغِ بِهَا الْمَعَانِي الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي أَدْرَكَهَا الْوَهْمُ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمُقَدَّمِ الْحِسَّ الْمُشْتَرَكَ وَالْخَيَالُ خِزَانَتُهُ وَفِي الْمُؤَخَّرِ الْوَهْمُ وَالْحَافِظَةُ خِزَانَتُهُ وَفِي الْوَسَطِ الْمُفَكِّرَةُ ثُمَّ كَانَ الْحِسُّ الْمُشْتَرَكُ فِي الْمُقَدَّمِ لِيَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ فَيَكُونَ التَّأَدِّي إلَيْهِ سَهْلًا ثُمَّ وَلِيَهُ الْخَيَالُ؛ لِأَنَّ خِزَانَةَ الشَّيْءِ خَلَفَهُ ثُمَّ الْوَهْمُ فِي مُقَدَّمِ الْمُؤَخَّرِ لِتَكُونَ الصُّوَرُ الْجُزْئِيَّةُ بِحِذَاءِ مَعَانِيهَا الْجُزْئِيَّةِ وَالْحَافِظَةُ فِي مُؤَخَّرِهِ؛ لِأَنَّهَا خِزَانَتُهُ وَالْمُفَكِّرَةُ فِي الْبَطْنِ الْأَوْسَطِ لِتَكُونَ قَرِيبَةً مِنْ الصُّوَر وَالْمَعَانِي فَيُمْكِنُهَا الْأَخْذُ مِنْهَا بِسُهُولَةٍ (وَهَذَا الْأَخْذُ ابْتِدَاءَ عَمَلِ الْعَقْلِ) ثُمَّ كَوْنُ هَذِهِ الْمَحَالِّ مَحَالَّ لِلْقُوَى الْمَذْكُورَةِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ وَقَالَ الشَّرِيفُ وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا أَنَّ الْمُتَخَيَّلَةَ فِي مُقَدَّمِ الْوَسَطِ وَالْوَهْمِيَّةَ فِي مُؤَخَّرِهِ وَالْحَافِظَةَ فِي مُقَدَّمِ الْبَطْنِ الْأَخِيرِ وَلَيْسَ فِي مُؤَخَّرِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى إذْ لَا حَارِسَ هُنَا مِنْ الْحَوَاسِّ فَتَكْثُرُ مُصَادَمَتُهُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى الِاخْتِلَالِ (وَلَمَّا احْتَاجَ هَذِهِ) الْحَوَاسُّ الْبَاطِنَةُ (إلَى سَمْعٍ) يَثْبُتُهَا (عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَكْتَفِ) فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُودِهَا (بِكَوْنِ فَسَادِ هَذِهِ الْبُطُونِ) الَّتِي هِيَ مَحَالُّهَا (يُوجِبُ فَسَادَ ذَلِكَ الْأَثَرِ) وَلَوْلَا اخْتِصَاصُ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْقُوَى بِمَحَلِّهِ لَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ لَيْسَتْ مُدْرِكَةٌ لِلْجُزْئِيَّاتِ الْمَادِّيَّةِ بِالذَّاتِ وَأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ مَبْدَأً لِأَثَرَيْنِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَمْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْقُوَّةُ وَاحِدَةً وَالْآلَاتُ وَالشَّرَائِطُ مُتَعَدِّدَةً فَتَصْدُرُ تِلْكَ الْأَعْمَالُ عَنْهَا بِحَسَبِ تَعَدُّدِهَا كَمَا جَوَّزُوهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى ثُمَّ قَدْ يَفْسُدُ الشَّيْءُ بِفَسَادِ غَيْرِ مَحَلِّهِ لِارْتِبَاطٍ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي امْتِنَاعِ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ بِقَطْعِ الْأُنْثَيَيْنِ (وَكَانَ الْمُحَقَّقُ هُوَ الْإِدْرَاكُ وَهُوَ بِخَلْقِهِ تَعَالَى) بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ الْإِدْرَاكَ لِلْمُدْرِكِ كَائِنًا مَا كَانَ فِي النَّفْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>