أَصْلِيَّةٌ بِهَا يَتَّصِفُ بِالْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْحَجْرِ مِنْ نِعْمَةِ الْيَدِ، وَهِيَ مِلْكُ الْمَالِ نِعْمَةٌ زَائِدَةٌ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِفَوَاتِهَا صِفَاتُ الْإِنْسَانِيَّةِ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَفْتَقِرَ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْأَعْلَى لِصَوْنِ الْأَدْنَى (وَلِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ بِأَسْبَابِ الْحَدِّ فَلَوْ لَزِمَ شَرْعًا الْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي أَقْوَالِهِ الْمُتْلِفَةِ لِلْمَالِ لَلَزِمَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فِي الْمُتْلِفَةِ لِنَفْسِهِ) فَإِنَّ النَّفْسَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لَهَا وَخُلِقَ لِمَصْلَحَتِهَا وَوِقَايَةٌ لَهَا وَخُصُوصًا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبَاتِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَحَيْثُ لَمْ يَنْظُرْ لَهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِ النَّفْسِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ لَهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِ الْمَالِ (وَمَعَ هَذَا الْأَحَبِّ) إلَى الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (قَوْلُهُمَا) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ (لِأَنَّ النَّصَّ) السَّابِقَ نَاصٌّ (عَلَى مَنْعِ الْمَالِ مِنْهُ كَيْ لَا يُتْلِفُهُ قَطْعًا وَإِذَا لَمْ يُحْجَرْ) عَلَيْهِ (أَتْلَفَهُ بِقَوْلِهِ فَلَا يُفِيدُ) مَنْعُ الْمَالِ مِنْهُ وَأَيْضًا (دَفْعًا) وَكَانَ الْأَوْلَى وَدَفْعًا (لِلضَّرَرِ الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُلَبِّسُ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ غَنِيٌّ بِالتَّزَيِّي بِزِيِّ الْأَغْنِيَاءِ (فَيُقْرِضُهُ الْمُسْلِمُونَ أَمْوَالَهُمْ فَيُتْلِفُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ) مِنْ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِهِمْ كَمَا سَلَفَ.
(وَهُوَ) أَيْ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ (وَاجِبٌ بِإِثْبَاتِ) الضَّرَرِ (الْخَاصِّ فَصَارَ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُكَارِي الْمُفْلِسِ) وَهُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْكِرَاءَ وَيُؤَجِّرُ الدَّوَابَّ وَلَيْسَ لَهُ ظَهْرٌ يَحْمِلُ عَلَيْهِ وَلَا مَالٌ يَشْتَرِي بِهِ الدَّوَابَّ (وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ) وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ كَذَا فِي طَرِيقَةِ عَلَاءِ الدِّينِ الْعَالِمِ وَلَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْمُفْتِي الْجَاهِلُ لِعُمُومِ الضَّرَرِ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْأَمْوَالِ وَمِنْ الثَّانِي فِي الْأَبْدَانِ وَمِنْ الثَّالِثِ فِي الْأَدْيَانِ إلَّا أَنَّ فِي الْبَدَائِعِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى هَؤُلَاءِ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ أَفْتَى بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَصَابَ فِي الْفَتْوَى جَازَ وَلَوْ أَجَابَ قَبْلَهُ وَأَخْطَأَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا الطَّبِيبُ لَوْ بَاعَ الْأَدْوِيَةَ بَعْدَ الْحَجْزِ نَفَذَ بَيْعُهُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ بِأَنْ يُمْنَعُوا مِنْ عَمَلِهِمْ حِسًّا؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (وَإِذَا كَانَ الْحَجْرُ) عَلَى السَّفِيهِ (لِلنَّظَرِ لَهُ لَزِمَ أَنْ يَلْحَقَ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِالْأَنْظَرِ فَفِي الِاسْتِيلَادِ يُجْعَلُ كَالْمَرِيضِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ أَمَتِهِ إذَا ادَّعَاهُ) حَتَّى كَانَ حُرًّا وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَإِذَا مَاتَ كَانَتْ حُرَّةً (وَلَا يَسْعَى) ؛ لِأَنَّ تَوْفِيرَ النَّظَرِ بِإِلْحَاقِهِ بِالْمُصْلِحِ فِي حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ لِحَاجَتِهِ إلَى بَقَاءِ نَسْلِهِ وَصِيَانَةِ مَائِهِ فَيَلْحَقُ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِالْمَرِيضِ الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَتِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ كَالصَّحِيحِ حَتَّى تَعْتِقَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَا تَسْعَى وَلَا وَلَدُهَا؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ غُرَمَائِهِ (وَفِي شِرَاءِ ابْنِهِ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ (كَالْمُكْرَهِ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْمُكْرَهِ فَيَفْسُدُ (فَيَثْبُتُ لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ الْمِلْكُ (بِالْقَبْضِ) وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ حِينَ قَبَضَهُ (وَلَا يَلْزَمُ) السَّفِيهَ (الثَّمَنُ أَوْ الْقِيمَةُ فِي مَالِهِ جَعْلًا لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ (كَالصَّبِيِّ) ؛ لِأَنَّ تَوْفِيرَ النَّظَرِ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ.
(وَإِذْ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ السَّفِيهَ الثَّمَنُ أَنَّ الْقِيمَةَ وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ أَحَدَهُمَا بِالْعَقْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَا بَلْ يَسْعَى الِابْنُ فِي قِيمَتِهِ (لَمْ يَسْلَمْ لَهُ) أَيْ لِلسَّفِيهِ أَيْضًا (شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ بَلْ تَكُونُ) السِّعَايَةُ (كُلُّهَا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ كَعَكْسِهِ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (وَالْحَجْرُ لِلنَّظَرِ عِنْدَهُمَا أَنْوَاعٌ) يَكُونُ (لِلسَّفِيهِ بِنَفْسِهِ) أَيْ بِسَبَبِ نَفْسِ السَّفَهِ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا بِأَنْ بَلَغَ سَفِيهًا أَوْ عَارِضِيًّا بِأَنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبُلُوغِ (بِلَا) تَوَقُّفٍ عَلَى (قَضَاءٍ) عَلَيْهِ بِالْحَجْرِ (كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ) أَيْ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي بِحَجْرِهِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِتَرَدُّدِهِ) أَيْ السَّفَهِ (بَيْنَ النَّظَرِ بِإِبْقَاءِ مِلْكِهِ) أَيْ السَّفِيهِ (وَالضَّرَرِ بِإِهْدَارِ عِبَارَتِهِ) فَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالْقَضَاءِ عَلَى أَنَّ الْغَبْنَ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةُ السَّفَهِ قَدْ لَا يَكُونُ لِلسَّفَهِ بَلْ حِيلَةً لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُعَامِلِينَ لَهُ فَكَانَ مُحْتَمَلًا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالْعَتَهِ (وَ) يَكُونُ (لِلدَّيْنِ) عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ (خَوْفَ التَّلْجِئَةِ) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ لِمَالِهِ (بَيْعًا وَإِقْرَارًا) فِي أَصْلِ التَّصَرُّفِ أَوْ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ أَوْ فِي جِنْسِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي بَابِ الْهَزْلِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا سَابِقَةً وَالْهَزْلُ قَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا فَهِيَ أَخَصُّ (فَبِالْقَضَاءِ) أَيْ يَتَوَقَّفُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ (اتِّفَاقًا بَيْنَهُمَا) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute