إلَى أَنَّ الْمَدْلُولَ) الْمَذْكُورَ هُوَ (كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوَّلًا) وَقَدْ سَبَقَ مَعْنَى هَذَا فِي أَقْسَامِ الْمُرَكَّبِ وَأَوْضَحْنَاهُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَيْضًا ثَمَّةَ
(وَمَا لَيْسَ بِخَبَرٍ إنْشَاءً وَمِنْهُ) أَيْ الْإِنْشَاءِ (الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالِاسْتِفْهَامُ وَالتَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي وَالْقَسَمُ وَالنِّدَاءُ وَيُسَمَّى الْأَخِيرَانِ) أَيْ الْقَسَمُ وَالنِّدَاءُ (تَنْبِيهًا أَيْضًا) بَلْ الْمَنْطِقِيُّونَ يُسَمُّونَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخِيرَةَ تَنْبِيهًا وَزَادَ بَعْضُهُمْ كَصَاحِبِ الشَّمْسِيَّةِ الِاسْتِفْهَامَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ عَلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِخَبَرٍ يُسَمَّى إنْشَاءً فَإِنْ كَانَ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ فَسَهْلٌ وَإِلَّا فَلِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ (وَاخْتُلِفَ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ وَالْإِسْقَاطَاتِ كَبِعْت وَأَعْتَقْت إذَا أُرِيدَ حُدُوثُ الْمَعْنَى بِهَا فَقِيلَ إخْبَارَاتٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (فَيَنْدَفِعُ الِاسْتِدْلَال عَلَى إنْشَائِيَّتِهِ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ (بِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ) أَيْ الْإِنْشَاءِ وَهُوَ كَلَامٌ لَيْسَ لِنِسْبَتِهِ خَارِجٌ عَلَيْهِ (وَانْتِفَاءِ لَازِمِ الْإِخْبَارِ مِنْ احْتِمَالِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ) عَلَيْهِ لِأَنَّ بِعْت لَا يَدُلُّ عَلَى بَيْعٍ آخَرَ غَيْرَ الْبَيْعِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ (لِأَنَّ ذَلِكَ) الِاسْتِدْلَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يُفِيدُ نَفْيَ قَوْلِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ إخْبَارٌ (لَوْ لَمْ يَكُنْ) مُرَادُهُ كَوْنَهُ (إخْبَارًا عَمَّا فِي النَّفْسِ) بِأَنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ خَارِجٍ أَمَّا إذَا أُرِيدَ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ مِنْ الْمَعْنَى فَلَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ) مِنْ هَذِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ احْتِمَالِهِ الْكَذِبَ (أَنَّهُ إخْبَارٌ يُعْلَمُ صِدْقُهُ بِخَارِجٍ) هُوَ نَفْسُ اللَّفْظِ بِقَوْلِهِ بِعْت مَثَلًا فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ فَيُعْلَمُ صِدْقُهُ (كَإِخْبَارِهِ بِأَنَّ فِي ذِهْنِهِ كَذَا) أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ فِي ذِهْنِهِ مَعْنَى بِعْت بَعْدَ مَا قَالَ بِعْت (وَمَا اسْتَدَلَّ) بِهِ الْإِنْشَائِيُّونَ مِنْ أَنَّهُ (لَوْ كَانَ خَبَرًا لَكَانَ مَاضِيًا) لِوَضْعِ لَفْظِهِ لِذَلِكَ وَعَدَمِ وُرُودِ مُغَيِّرٍ.
(وَامْتَنَعَ التَّعْلِيقُ) أَيْ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ تَوْقِيفُ دُخُولِ أَمْرٍ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ غَيْرِهِ وَالْمَاضِي دَخَلَ فِيهِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَوْقِيفُ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ عَلَى دُخُولِ غَيْرِهِ وَكِلَا اللَّازِمَيْنِ مُنْتَفٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَعَلُّقِ الطَّلَاقِ بِدُخُولِ الدَّارِ فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ طَلَّقْتُك (مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ مَاضٍ إذْ ثَبَتَ فِي ذِهْنِ الْقَائِلِ الْبَيْعُ وَالتَّعْلِيقُ) لِلطَّلَاقِ (وَاللَّفْظُ إخْبَارٌ عَنْهُمَا) أَيْ الْبَيْعِ وَالتَّعْلِيقِ الْكَائِنَيْنِ فِي الذِّهْنِ فَالْقَابِلُ لِلتَّعْلِيقِ بِالتَّحْقِيقِ هُوَ مَا فِي الذِّهْنِ وَاللَّفْظُ إخْبَارٌ عَنْهُ وَإِعْلَامٌ بِهِ (وَأَلْزَمَ امْتِنَاعَ الصِّدْقِ لِأَنَّهُ) أَيْ الصِّدْقُ (بِالْمُطَابَقَةِ وَهِيَ) أَيْ الْمُطَابَقَةُ (بِالتَّعَدُّدِ) أَيْ تَعَدُّدِ مَا فِي الْوَاقِعِ وَالنَّفْسِيِّ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ الْكَلَامِ (وَلَيْسَ) هُنَا شَيْءٌ (إلَّا مَا فِي النَّفْسِ وَهُوَ) أَيْ مَا فِي النَّفْسِ (الْمَدْلُولُ) أَيْضًا (فَلَا خَارِجَ) فَلَا مُطَابَقَةَ فَلَا صِدْقَ (وَأُجِيبُ بِثُبُوتِهِ) أَيْ تَعَدُّدِ مَا فِي الْوَاقِعِ وَالنَّفْسِيِّ اعْتِبَارًا (فَمَا فِي النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ مَا فِي النَّفْسِ (مِنْ حَيْثُ هُوَ فِيهَا) أَيْ فِي النَّفْسِ (فَتُطَابِقُ الْمُتَعَدِّدَ) أَيْ فَيَكُونُ النِّسْبَةُ الْقَائِمَةُ بِالنَّفْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ مُطَابِقَةً لَهَا لَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ ثَابِتَةٌ فِي النَّفْسِ قَالَ الْمُصَنِّفُ.
(وَمَبْنَى هَذَا التَّكَلُّفِ عَلَى أَنَّهُ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ (إخْبَارٌ عَمَّا فِي النَّفْسِ) كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ (لَكِنْ الْوِجْدَانُ شَاهِدٌ بِأَنَّ الْكَائِنَ فِيهَا) أَيْ فِي النَّفْسِ (مَا لَمْ يَنْطِقْ لَيْسَ) شَيْئًا (غَيْرَ إرَادَةِ الْبَيْعِ لَا يُعْلَمُ قَوْلُهَا) أَيْ النَّفْسَ (بِعْتُك قَبْلَهُ) أَيْ النُّطْقِ بِهِ (إنَّمَا يَنْطِقُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ بِعْتُك (فَهِيَ إنْشَاءَاتٌ) لَفْظُهَا عِلَّةٌ لِإِيجَادِ مَعْنَاهَا
(ثُمَّ يَنْحَصِرُ) الْخَبَرُ (فِي صِدْقٍ إنْ طَابَق) حُكْمُهُ (الْوَاقِعَ) أَيْ الْخَارِجَ الْكَائِنَ لِنِسْبَةِ الْكَلَامِ الْخَبَرِيِّ بِأَنْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ الذِّهْنِيَّةُ مُوَافِقَةً لِنِسْبَتِهِ الْخَارِجِيَّةِ فِي الْكَيْفِ بِأَنْ كَانَتَا ثُبُوتِيَّتَيْنِ أَوْ سَلْبِيَّتَيْنِ (وَكَذِبٍ إنْ لَا) تُطَابِقَ نِسْبَتُهُ الذِّهْنِيَّةُ النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ فِي الْكَيْفِ بِأَنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ثُبُوتِيَّةً وَالْأُخْرَى سَلْبِيَّةً سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْمُطَابَقَةَ أَوْ عَدَمَهَا فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَحَصَرَهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ (الْجَاحِظُ فِي ثَلَاثَةٍ) الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ (الثَّالِثِ مَا لَا) أَيْ مَا لَيْسَ بِصَادِقٍ (وَلَا) كَاذِبٍ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (إمَّا مُطَابِقٌ) لِلْوَاقِعِ (مَعَ الِاعْتِقَادِ) لِلْمُطَابَقَةِ (أَوْ) مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ مَعَ (عَدَمِهِ) أَيْ عَدَمِ اعْتِقَادِهَا (أَوْ غَيْرُ مُطَابِقٍ) لِلْوَاقِعِ.
(كَذَلِكَ) أَيْ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ وَمَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهَا (الثَّانِي مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْقِسْمَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ الْمُطَابِقُ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ وَيَصْدُقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute