لِمَا ذَكَرْنَا وَرِوَايَةُ الْخَبَرِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا وَلَا شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لِمَا رَوَى الْخَصَّافُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ» وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي الظِّنَّةِ وَلَا ذِي الْحِنَةِ» وَالظِّنَّةُ التُّهْمَةُ وَالْحِنَةُ الْعَدَاوَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالرِّوَايَةُ لَيْسَتْ فِي هَذَا كَالشَّهَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَظَهَرَ) مِنْ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مُرَادًا بِهَا أَدْنَاهَا وَتَفْسِيرُهَا وَتَفْسِيرُهُ (أَنَّ شَرْطَ الْعَدَالَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ شَرَطَ الْإِسْلَامَ بِالْبَيَانِ إجْمَالًا) بِأَنْ يَقُولَ عَنْ تَصْدِيقٍ قَلْبِيٍّ آمَنْت بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ تَفْصِيلًا حَرَجًا (أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ) أَيْ مَقَامَ بَيَانِ الْإِسْلَامِ إجْمَالًا (مِنْ الصَّلَاةِ) فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَالزَّكَاةِ وَأَكْلِ ذَبِيحَتِنَا) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (دُونَ النَّشْأَةِ فِي الدَّارِ) أَيْ دَارِ الْإِسْلَامِ (بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهَذَا الْإِسْلَامِ الْحُكْمِيِّ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا ظَهَرَ عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَى ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ مِنْ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مُرَادًا بِهَا أَدْنَاهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا وَتَفْسِيرِهِ لِظُهُورِ انْتِفَائِهَا فِيهِ وَكَيْفَ لَا وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ فَالِاعْتِذَارُ عَنْ ذِكْرِهِ مَعَ ذِكْرِهَا بِأَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ رُبَّمَا أَوْهَمَ قَبُولَ خَبَرِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ قَدْ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ وَلِهَذَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ عَدَالَةِ الْكَافِرِ إذَا شَهِدَ عَلَى مِثْلِهِ وَطَعْنُ الْخَصْمِ فِيهِ سَاقِطٌ وَوَصْفُ الْكَافِرِ بِهَا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مَجَازٌ عَنْ اسْتِقَامَتِهِ عَلَى مُعْتَقِدِهِ وَحُسْنِ سِيرَتِهِ فِي مُعَامَلَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(ثُمَّ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا هَذَا) كُلَّهُ (فِي الرِّوَايَةِ) لِلْأَخْبَارِ (وَفِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الرِّوَايَةِ (لَا يُقْبَلُ الْكَافِرُ مُطْلَقًا فِي الدِّيَانَاتِ كَنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ) أَيْ السَّامِعِ (صِدْقُهُ) أَيْ الْكَافِرِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى الْغَيْرِ وَفِي قَبُولِ خَبَرِهِ جَعَلَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ (إلَّا أَنَّ فِي النَّجَاسَةِ تُسْتَحَبُّ إرَاقَتُهُ) أَيْ الْمَاءِ (لِلتَّيَمُّمِ دَفْعًا لِلْوَسْوَسَةِ الْعَادِيَّةِ) لِأَنَّ احْتِمَالَ الصِّدْقِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْ خَبَرِهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ لَا يُنَافِي الصِّدْقَ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ لَا تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ بَلْ تَتَنَجَّسُ الْأَعْضَاءُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِرَاقَةِ ثُمَّ التَّيَمُّمُ لِتَحْصُلَ الطَّهَارَةُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ النَّجَاسَةِ بِيَقِينٍ (وَلَا تَجُوزُ) الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ (قَبْلَهَا) أَيْ إرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ الطَّاهِرِ ظَاهِرًا (بِخِلَافِ) (خَبَرِ الْفَاسِقِ بِهِ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ (وَبِحِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ يَحْكُمُ) السَّامِعُ (رَأْيَهُ فَيَعْمَلُ بِالنَّجَاسَةِ وَالْحُرْمَةِ إنْ وَافَقَهُ) أَيْ رَأْيَهُ كُلًّا مِنْهُمَا لِأَنَّ أَكْثَرَ الرَّأْيِ فِيمَا لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَبَنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَالْيَقِينِ (وَالْأَوْلَى إرَاقَةُ الْمَاءِ) لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فَيُرِيقُهُ لِيَصِيرَ عَادِمًا لِلْمَاءِ (لِيَتَيَمَّمَ) أَيْ لِيَجُوزَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِيَقِينٍ (وَتَجُوزُ) صَلَاتُهُ (بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ تَجِبُ (إنْ لَمْ يُرِقْهُ) لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ بِهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْكَافِرِ بِهِ (لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ يَتَعَرَّفُ مِنْهُ) أَيْ الْفَاسِقِ (لَا مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْفَاسِقِ (لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَاصٌّ) بِالنِّسْبَةِ إلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ يَعْنِي لَيْسَ بِأَمْرٍ يَقِفُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النَّاسِ حَتَّى يُمْكِنَ تَلَقِّيهِ مِنْ الْعُدُولِ بَلْ رُبَّمَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْفَاسِقُ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَيَافِيِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْغَالِبُ فِيهِمَا الْفُسَّاقُ فَقُبِلَ مَعَ التَّحَرِّي لِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ (لَكِنَّهَا) أَيْ النَّجَاسَةَ (غَيْرُ لَازِمَةٍ) لِلْمَاءِ بَلْ عَارِضَةٌ عَلَيْهِ (فَضَمَّ التَّحَرِّيَ) إلَى إخْبَارِهِ (كَيْ لَا يُهْدَرَ فِسْقُهُ بِلَا مُلْجِئٍ وَالطَّهَارَةُ) تَثْبُتُ (بِالْأَصْلِ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِهِ عِنْدَ تَعَارُضِ جِهَتَيْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي خَبَرِهِ (بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِي عُدُولِ الرُّوَاةِ كَثْرَةً بِهِمْ غُنْيَةٌ) عَنْ الْفَسَقَةِ فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْفَاسِقِ أَصْلًا وَقَعَ فِي قَلْبِ السَّامِعِ صِدْقُهُ أَوَّلًا لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ (بِخِلَافِهِ) أَيْ خَبَرِ الْفَاسِقِ (فِي الْهَدِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ) حَيْثُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ ضَمِّ التَّحَرِّي إلَيْهِ (لِلُزُومِهَا) أَيْ الضَّرُورَةِ (لِلْكَثْرَةِ) لِوُجُودِهَا.
(وَلَا دَلِيلَ) مُتَيَسِّرٍ (سِوَاهُ) أَيْ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute