شَيْخَهُ أَوْ شَيْخَ شَيْخِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَصَاعِدًا بِنَحْوِ عَنْ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ (أَوْ وَصَفَ شَيْخَهُ بِمُتَعَدِّدٍ) بِأَنْ يُسَمِّيَهُ أَوْ يُكَنِّيَهُ أَوْ يَنْسُبَهُ إلَى قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ صَنْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ يَصِفَهُ بِمَا لَا يُعْرَفُ بِهِ كَيْ لَا يُعْرَفُ وَيَفْعَلُ هَذَا الْمُوهِمُ أَوْ الْوَاصِفُ ذَلِكَ (لِإِيهَامِ الْعُلُوِّ) فِي السَّنَدِ أَوْ لِصِغَرِ سِنِّ الْمَحْذُوفِ عَنْ سِنِّ الرَّاوِي أَوْ لِتَأَخُّرِ وَفَاتِهِ وَمُشَارَكَةِ مَنْ دُونَهُ فِيهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ (وَالْكَثْرَةِ) فِي الشُّيُوخِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامٍ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَقَدْ لَهِجَ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْخَطِيبِ فِي تَصَانِيفِهِ (فَغَيْرُ قَادِحٍ) وَالْأَوَّلُ مِنْ تَدْلِيسِ الْإِسْنَادِ وَالثَّانِي مِنْ تَدْلِيسِ الشُّيُوخِ (أَمَّا) مَا كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ (لِإِيهَامِ الثِّقَةِ) أَيْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَوْثُوقًا بِهِ (بِإِسْقَاطِ مُخْتَلَفٍ فِي ضَعْفِهِ بَيْنَ ثِقَتَيْنِ يُوَثِّقُهُ) الْمُسْقِطُ بِذَلِكَ (بِأَنْ ذَكَرَ) الثِّقَةَ (الْأَوَّلَ بِمَا لَا يُشْتَهَرُ بِهِ مِنْ مُوَافِقِ اسْمِ مَنْ عُرِفَ أَخْذُهُ عَنْ) الثِّقَةِ (الثَّانِي وَهُوَ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعُ (أَحَدُ قِسْمَيْ) تَدْلِيسِ (التَّسْوِيَةِ فَيُرَدُّ) مَتْنُ الْحَدِيثِ (عِنْدَ مَانِعِي) قَبُولِ (الْمُرْسَلِ وَيُتَوَقَّفُ فِي عَنْعَنَتِهِ) أَيْ قَبُولِ مَا رَوَاهُ بِلَفْظِ عَنْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِلتَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ وَالسَّمَاعِ وَهَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَدُّ أَيْضًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْعَنْعَنَةَ مِنْ صِيَغِ التَّدْلِيسِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُعَنْعَنَ مُدَلِّسٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَنْعَنُ لَا يُدَلِّسُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ مُتْقِنٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُنْظَرُ فِي حَالِ الْمُدَلِّسِ فَإِنْ كَانَ يَتَسَامَحُ بِأَنْ يَرْوِيَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ لَمْ يُحْتَجَّ بِشَيْءٍ مِمَّا رَوَاهُ حَتَّى يَقُولَ أَنْبَأَنَا أَوْ سَمِعْت وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ اسْتَغْنَى عَنْ تَوْثِيقِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ تَدْلِيسِهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَنُقِلَ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ قَالُوا يُقْبَلُ تَدْلِيسُ ابْنِ عُيَيْنَةَ لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ أَحَالَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَنُظَرَائِهِمَا وَرَجَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إلَّا لِابْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ خَبَرٌ دَلَّسَ فِيهِ إلَّا.
وَقَدْ تَبَيَّنَ سَمَاعُهُ عَنْ ثِقَةٍ مِثْلِ ثِقَتِهِ وَكَلَامُ الْبَزَّارِ وَأَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ يُفِيدُ عَدَمَ اخْتِصَاصِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِذَلِكَ وَهُوَ الْوَجْهُ، ثُمَّ لَعَلَّ هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ الصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ مَا رَوَاهُ الْمُدَلِّسُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ وَالِاتِّصَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ وَأَنْوَاعِهِ وَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُبَيِّنٍ لِلِاتِّصَالِ نَحْوَ سَمِعْت وَحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَشْبَاهَهَا فَهُوَ مَقْبُولٌ يُحْتَجُّ بِهِ نَعَمْ.
قَالَ الْحَاكِمُ الْأَحَادِيثُ الْمُعَنْعَنَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَدْلِيسٌ مُتَّصِلَةٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ وَزَادَ أَبُو عُمَرَ وَالدَّانِي اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ وَالْأَوْجَهُ حَذْفُ هَذَا الشَّرْطِ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ أَهْلُ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُحَدِّثِ حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ إذَا كَانَ لَقِيَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الرَّاوِي بِالْعَنْعَنَةِ مِنْ التَّدْلِيسِ وَبِشَرْطِ ثُبُوتِ مُلَاقَاتِهِ لِمَنْ رَوَاهُ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ اللِّقَاءِ هُوَ مَذْهَبُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الْعِلْمِ وَأَنْكَرَ مُسْلِمٌ فِي خُطْبَةٍ صَحِيحَةٍ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ لَمْ يُسْبَقْ قَائِلُهُ إلَيْهِ وَأَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ كَوْنُهُمَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا أَوْ تَشَافَهَا.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَفِيمَا قَالَهُ مُسْلِمٌ نَظَرٌ قَالَ وَهَذَا الْحُكْمُ لَا أَرَاهُ يَسْتَمِرُّ بَعْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِيمَا وُجِدَ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي تَصَانِيفِهِمْ مِمَّا ذَكَرُوهُ عَنْ مَشَايِخِهِمْ قَائِلِينَ فِيهِ ذَكَرَ فُلَانٌ قَالَ فُلَانٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ (دُونَ الْمُجِيزِينَ) لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ أَيْ جُمْهُورِهِمْ فَقَدْ حَكَى الْخَطِيبُ أَنَّ جُمْهُورَ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ يَقْبَلُ خَبَرَ الْمُدَلِّسِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ لَا يَقْبَلُ عَنْعَنَةَ الْمُدَلِّسِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ (وَلَا يَسْقُطُ) الرَّاوِي الْمُدَلِّسُ بِالتَّدْلِيسِ الْمَذْكُورِ (بَعْدَ كَوْنِهِ إمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ) وَهَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَى صَرِيحٍ فِيهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَذَهُ مِنْ شَرْطِهِ لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ (لِاجْتِهَادِهِ وَعَدَمِ صَرِيحِ الْكَذِبِ وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ التَّدْلِيسِ (مَحْمَلُ فِعْلِ الثَّوْرِيِّ وَالْأَعْمَشِ وَبَقِيَّةَ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرٌ عَنْ كَثِيرٍ كَقَتَادَةَ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ.
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَشِبْهِهِمَا عَنْ الْمُدَلِّسِينَ (بِعَنْ) مَحْمُولٌ عَلَى ثُبُوتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute