للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَفَاءِ (وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُونَ عِنْدَ رِيبَةٍ تُوجِبُ انْتِفَاءَ الظَّنِّ كَإِنْكَارِ عُمَرَ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي نَفْيِ نَفَقَةِ الْمُبَانَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَجْهُولِ الْعَيْنِ وَالْحَال (وَعَائِشَةَ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ الْحَيِّ)

كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَأَيْضًا تَوَاتَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إرْسَالُ الْآحَادِ إلَى النَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ) مِنْهُمْ مُعَاذٌ فَرَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ إنَّك تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» الْحَدِيثَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِبْ قَبُولُ خَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِإِرْسَالِهِمْ مَعْنًى (وَالِاعْتِرَاضُ) عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ (بِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ (سَاقِطٌ) لِأَنَّ إرْسَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ (إذْ أَفَادَ وُجُوبَ عَمَلِ الْمُبَلَّغِ بِمَا بَلَّغَهُ الْوَاحِدُ) لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِتَكْلِيفِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى مَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ رُسُلُهُ (كَانَ) إرْسَالُهُ (دَلِيلًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهُوَ وُجُوبُ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْمُبَلَّغ الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ لِأَنَّ الْمُبَلَّغَ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَعَلَى كُلٍّ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ أَفَادَ اللَّفْظُ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ اللَّفْظِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا مُفِيدًا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ

(وَاسْتَدَلَّ) مَنْ قَبْلَنَا لِلْمُخْتَارِ (بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة: ١٢٢] الْآيَةَ) أَيْ {مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢] لِأَنَّ الطَّائِفَةَ تَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَدْ جُعِلَ مُنْذِرًا وَوَجَبَ الْحَذَرُ بِإِخْبَارِهِ وَلَوْلَا قَبُولُ خَبَرِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ (وَاسْتُبْعِدَ) الِاسْتِدْلَال بِهَا (بِأَنَّهُ) أَيْ النَّفَرَ لِإِفْتَائِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْذَارِ الْفَتْوَى بِقَرِينَةِ تَوَقُّفِهِ عَلَى التَّفَقُّهِ إذَا الْأَمْرُ بِالتَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِهِ وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى التَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ الْفَتْوَى لَا الْخَبَرُ الْمَخُوفُ مُطْلَقًا (وَيُدْفَعُ) هَذَا الِاسْتِبْعَادُ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْإِنْذَارَ (أَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ الْإِفْتَاءِ (وَمِنْ أَخْبَارِهِمْ) وَلَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِنْذَارَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّفَقُّهِ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْقَوْمِ بِالْمُقَلِّدِينَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فِي فَتْوَاهُ بِخِلَافِ حَمْلِ الْإِنْذَارِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَإِنَّهُ كَمَا يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْإِنْذَارِ يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْقَوْمِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُجْتَهِدُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمُقَلِّدُ فِي الِانْزِجَارِ وَحُصُولِ الثَّوَابِ فِي مِثْلِهَا إلَى غَيْرِهِ (وَأَمَّا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ - إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ} [البقرة: ١٥٩ - ١٧٤] الْآيَةُ (فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ) وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَمَا كَانَ لِلْإِيعَادِ عَلَى الْكِتْمَانِ لِقَصْدِ الْإِظْهَارِ فَائِدَةٌ (لِجَوَازِ نَهْيِهِمْ عَنْ الْكِتْمَانِ لِيَحْصُلَ التَّوَاتُرُ بِإِخْبَارِهِمْ و {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: ٦] الْآيَةَ) الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّثَبُّتِ فِي الْفَاسِقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بِخِلَافِهِ اسْتِدْلَالٌ (بِمَفْهُومٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ) وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ

(وَلَوْ صَحَّ كَانَ ظَاهِرًا وَلَا يُثْبِتُونَ بِهِ) أَيْ بِالظَّاهِرِ (أَصْلًا دِينِيًّا وَإِنْ كَانَ) الْأَصْلُ الدِّينِيُّ (وَسِيلَةَ عَمَلٍ) وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَهُوَ أَنَّ بِهِ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ (قَالُوا تَوَقَّفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ (فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ) أَيْ الْخِرْبَاقِ حَيْثُ قَالَ «أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ حَتَّى أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ قَالَ النَّاسُ نَعَمْ فَقَامَ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قُلْنَا) تَوَقُّفُهُ (لِلرِّيبَةِ) فِي خَبَرِهِ (إذْ لَمْ يُشَارِكُوهُ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا (ثُمَّ لَيْسَ) خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ (دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْوَاحِدِ) أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ بِهِ (بَلْ هُوَ) أَيْ خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ دَلِيلٌ (لِمُوجِبِ الِاثْنَيْنِ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا فِي رِوَايَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ رَوَاهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ

<<  <  ج: ص:  >  >>