الْأَصَحُّ) عِنْدَ نَفْسِهِ (عَدَمُ الصِّحَّةِ) لِهَذِهِ الْإِجَازَةِ (اتِّفَاقَ وَتَجْوِيزُ أَبِي يُوسُفَ) الشَّهَادَةَ (فِي الْكِتَابِ) مِنْ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشُّهُودُ مَا فِيهِ (لِضَرُورَةِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَسْرَارِ) عَادَةً (وَيَكْرَهُ الْمُتَكَاتَبَانِ الِانْتِشَارَ) لِأَسْرَارِهِمَا (بِخِلَافِ كُتُبِ الْأَخْبَارِ) لِأَنَّ السُّنَّةَ أَصْلُ الدِّينِ وَمَبْنَاهَا عَلَى الشُّهْرَةِ فَلَا وَجْهَ لِصِحَّةِ الْأَمَانَةِ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ذَلِكَ) أَيْ جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِيهِ لِلضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى (فِي كُتُبِ الْعَامَّةِ لَا) فِي كِتَابِ (الْقَاضِي) إلَى الْقَاضِي (بِالْحُكْمِ وَالثُّبُوتِ) فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَهُ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عِنْدَهُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ تَرَدَّدَ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْخِلَافُ عَنْهُ فِيهَا مَنْصُوصًا فَقَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي هَذَا الْبَابِ وَوَجَّهَهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُتَعَقِّبٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ بِالضَّرُورَةِ أَيْ أَنْ يُجَوِّزَ الْإِجَازَةَ عِنْدَهُ بِلَا عِلْمٍ لِلْمُجَازِ بِمَا فِي الْكِتَابِ الْمُجَازِ بِهِ كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي بِلَا عِلْمٍ لِلشَّاهِدِ بِمَا فِيهِ بِجَامِعِ الضَّرُورَةِ بَيْنَهُمَا يَعْنِي كَمَا لَمْ يَشْرِطْ أَبُو يُوسُفَ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي عِلْمَ الشَّاهِدِ بِمَا فِيهِ لِضَرُورَةِ إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عِلْمُ الرَّاوِي بِمَا فِي الْكِتَابِ الْمُجَازِ بِهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ عِنْدَهُ لِضَرُورَةِ أَنَّ الْمُحَدِّثَ مُحْتَاجٌ إلَى تَبْلِيغِ مَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ الْأَخْبَارِ إلَى الْغَيْرِ لِيَتَّصِلَ الْإِسْنَادُ وَيَبْقَى الدِّينُ وَقَدْ ظَهَرَ تَكَاسُلُ النَّاسِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَرُبَّمَا لَا يَتَيَسَّرُ لِلطَّالِبِ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ وَفِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِمَا فِيهِ نَوْعُ تَعْسِيرٍ وَتَنْفِيرٍ فَجُوِّزَتْ رُخْصَةً لِهَذَا الْمَعْنَى (وَهَذَا) التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ لِلْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ (لِلِاتِّفَاقِ عَلَى النَّفْيِ) لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ (لَوْ قَرَأَ) الطَّالِبُ (فَلَمْ يَسْمَعْ الشَّيْخُ أَوْ) قَرَأَ (الشَّيْخُ) فَلَمْ يَسْمَعْ الطَّالِبُ (وَلَمْ يَفْهَمْ) فَفِي الْإِجَازَةِ الَّتِي هِيَ دُونَ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى ثُمَّ فِي تَصْحِيحِ الْإِجَازَةِ بِدُونِ الْعِلْمِ رَفْعُ الِابْتِلَاءِ فَإِنَّ النَّاسَ مُبْتَلَوْنَ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ فَلَوْ جُوِّزَتْ بِدُونِهِ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ التَّعَلُّمِ اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِدُونِهِ وَفِيهِ فَتْحُ بَابِ التَّقْصِيرِ وَالْبِدْعَةِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مِثْلُ هَذِهِ الْإِجَازَةِ وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِقَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ سَمِعَ فِي صِبَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ (وَقَبُولُ مَنْ سَمِعَ فِي صِبَاهُ مُقَيَّدٌ بِضَبْطِهِ غَيْرَ أَنَّهُ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ) أَيْ الضَّبْطِ وَهِيَ التَّمْيِيزُ مَقَامَهُ (وَلِذَا) أَيْ اشْتِرَاطُ ضَبْطِ السَّامِعِ (مَنَعَتْ) صِحَّةَ الرِّوَايَةِ (لِلْمَشْغُولِ عَنْ السَّمَاعِ بِكِتَابَةٍ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإسْفَرايِينِيّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَذَهَبَ إلَى الصِّحَّةِ مُطْلَقًا الْحَافِظُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ وَيُوَافِقُهُ ظَاهِرُ مَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْحَنْظَلِيِّ أَنَّهُ كَتَبَ عِنْدَ عَارِمٍ وَعِنْدَ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ فِي حَالَةِ السَّمَاعِ وَمَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَتَبَ وَهُوَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَا يَكْتُبُ
وَقَالَ الصِّبْغِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُ حَضَرْت لَا حَدَّثَنَا وَلَا أَخْبَرَنَا (أَوْ نَوْمٌ أَوْ لَهْوٌ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَدَارَ) لِعَدَمِ جَوَازِ الرِّوَايَةِ (عَدَمُ الضَّبْطِ) لِلْمَرْوِيِّ (وَأُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ) أَيْ عَدَمِ الضَّبْطِ (نَحْوُ الْكِتَابَةِ) مَقَامَهُ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ مَعَهَا الْفَهْمُ لِمَا يَقْرَأُ حَتَّى يَكُونَ الْوَاصِلُ إلَى سَمْعِ الْكَاتِبِ كَأَنَّهُ صَوْتُ غَفَلٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ مَعَهَا الْفَهْمُ فَلَا (لِحِكَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ) فَإِنَّهُ حَضَرَ فِي حَدَاثَتِهِ مَجْلِسَ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ فَجَلَسَ يَنْسَخُ جُزْءًا كَانَ مَعَهُ وَإِسْمَاعِيلُ يُمْلِي فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ لَا يَصِحُّ سَمَاعُك وَأَنْتَ تَنْسَخُ فَقَالَ: فَهْمِي لِلْإِمْلَاءِ خِلَافُ فَهْمِك، ثُمَّ قَالَ تَحْفَظُ كَمْ أَمْلَى الشَّيْخُ مِنْ حَدِيثٍ إلَى الْآنَ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَمْلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا فَعُدَّتْ الْأَحَادِيثُ فَوُجِدَتْ كَمَا قَالَ ثُمَّ قَالَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْهَا عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ وَمَتْنُهُ كَذَا وَالْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ فُلَانٍ وَمَتْنُهُ كَذَا وَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ أَسَانِيدَ الْأَحَادِيثِ وَمُتُونَهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْإِمْلَاءِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهُ وَلَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنْظَلِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا بَلْ هُوَ الْأَشْبَهُ وَلَا سِيَّمَا مِنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ إنْ فَهِمَ الْمَقْرُوءَ صَحَّ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَقَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّسْخِ مِنْ السَّامِعِ وَبَيْنَهُ مِنْ الْمَسْمُوعِ وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إذَا تَحَدَّثَ الشَّيْخُ أَوْ السَّامِعُ أَوْ أَفْرَطَ الْقَارِئُ فِي الْإِسْرَاعِ أَوْ بَعُدَ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ نَحْوُ الْكَلِمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute