فَلَا يَظْهَرُ لِتَنْصِيصِهِ عَلَى الْكَرْخِيِّ بِقَوْلِهِ (مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ) بَعْدَ شُمُولِهِمْ إيَّاهُ فَائِدَةٌ بَلْ الَّذِي فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الِاشْتِهَارِ وَنِسْبَةُ هَذَا إلَى الْكَرْخِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِلَى الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ وَقَدْ كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَى هَذَا أَوَّلًا فَغُيِّرَتْ إلَى هَذَا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ كُلِّيًّا بَيْنَ الِاشْتِهَارِ وَبَيْنَ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ إذْ قَدْ يُوجَدُ اشْتِهَارٌ لِلشَّيْءِ بِلَا تَلَقِّي جَمِيعِ الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَقَدْ يَتَلَقَّى الْأُمَّةُ الشَّيْءَ بِالْقَبُولِ بِلَا رِوَايَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ ثُمَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا بَأْسَ بِهَا لَكِنْ الشَّأْنُ فِي كَوْنِهَا مَنْقُولَةً عَنْهُمْ (كَخَبَرِ مَسِّ الذَّكَرِ) أَيْ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» الَّذِي رَوَتْهُ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَهَذَا السَّبَبُ كَثِيرُ التَّكَرُّرِ وَخَبَرُهُ هَذَا لَمْ يَشْتَهِرْ وَلَمْ يَتَلَقَّهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ بَلْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّ بُسْرَةَ انْفَرَدَتْ بِرِوَايَتِهِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّهَا بِتَعْلِيمِ هَذَا الْحُكْمِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَمْ يُعَلِّمْ سَائِرَ الصَّحَابَةِ مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ شِبْهُ الْمُحَالِ انْتَهَى. فَإِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ طَرِيقُ غَيْرِهَا مِنْ تَضْعِيفٍ فَلَا جَرَمَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ
فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ قَبُولُهُمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَخَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ إرَادَةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَالْجَوَابُ لَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَلَيْسَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَرَفْعُهُمَا مِنْهُ) أَيْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَفَيْنَاهُ (إذْ لَا وُجُوبَ) لَهُمَا أَيْ فَإِنَّا لَمْ نُثْبِتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وُجُوبًا بَلْ أَثْبَتْنَا بِهِ اسْتِنَانَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ قَبُولُنَا إيَّاهُ فِيهِ (كَالتَّسْمِيَةِ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ) فَإِنَّا قَبِلْنَا خَبَرَهَا فِيهَا وَكَأَنَّهُ يَعْنِي مَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً» أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لِأَنَّا لَمْ نُثْبِتْ بِهِ وُجُوبَهَا بَلْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اسْتِنَانُهَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَيْضًا (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ (يَقْبَلُ) خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى إذَا صَحَّ إسْنَادُهُ (دُونَهُمَا) أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ اشْتِهَارِهِ وَلَا تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ (لَنَا أَنَّ الْعَادَةَ قَاضِيَةٌ بِتَنْقِيبِ الْمُتَدَيِّنِينَ) أَيْ بَحْثِهِمْ (عَنْ أَحْكَامِ مَا اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ) أَيْ مَا اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَاشْتِدَادُ الْحَاجَةِ بِالْوُجُوبِ (وَبِإِلْقَائِهِ) أَيْ مَا اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ (إلَى الْكَثِيرِ) مِنْهُمْ (دُونَ تَخْصِيصِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ إلْقَاءَهُ إلَى الْكَثِيرِ (شُهْرَةُ الرِّوَايَةِ وَالْقَبُولُ وَعَدَمُ الْخِلَافِ) فِيهِ (إذَا رَوَى فَعَدَمُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الشُّهْرَةِ وَالْقَبُولِ (دَلِيلُ الْخَطَأِ) أَيْ خَطَأٍ نَاقِلِهِ (أَوْ النَّسْخِ) وَالْوَجْهُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ أَوَّلًا قَوْلُهُ دُونَ اشْتِهَارِ أَوْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ وَثَانِيًا مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ فَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ أَوْ تُلُقِّيَ أَنْ يَقُولَ وَيَلْزَمُهُ شُهْرَةُ الرِّوَايَةِ أَوْ الْقَبُولُ فَعَدَمُهُمَا دَلِيلُ الْخَطَأِ أَوْ النَّسْخِ (فَلَا يُقْبَلُ) ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَطْفِ عَدَمِ الْخِلَافِ عَلَى الْقَبُولِ تَفْسِيرًا لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَبُولَ أَخَصُّ مِنْ عَدَمِ الْخِلَافِ إذْ قَدْ لَا يُخَالِفُ الشَّيْءَ وَلَا يُقْبَلُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَسْلِيمُهُ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ لَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ تَرْكِ رِدِّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(وَاسْتَدَلَّ) لِلْمُخْتَارِ بِمُزَيَّفٍ وَهُوَ (الْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِنَقْلِهِ) أَيْ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى نَقْلًا (مُتَوَاتِرًا) لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ كَذَلِكَ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَاتَرْ عُلِمَ كَذِبُهُ (وَرُدَّ) هَذَا (بِالْمَنْعِ) أَيْ مَنْعِ قَضَاءِ الْعَادَةِ بِتَوَاتُرِهِ (إذْ اللَّازِمُ) لِكَوْنِهِ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى إنَّمَا هُوَ (عِلْمُهُ) أَيْ الْحُكْمِ لِلْكَثِيرِ (لَا رِوَايَتُهُ) أَيْ الْحُكْمِ لَهُمْ (إلَّا عِنْدَ الِاسْتِفْسَارِ) عَنْهُ (أَوْ يُكْتَفَى بِرِوَايَةِ الْبَعْضِ مَعَ تَقْرِيرِ الْآخَرِينَ قَالُوا) أَيْ الْأَكْثَرُونَ (قَبِلَتْهُ) أَيْ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (الْأُمَّةُ فِي تَفَاصِيلِ الصَّلَاةِ وَقَبِلْتُمُوهُ فِي مُقَدِّمَاتِهَا كَالْفَصْدِ) أَيْ الْوُضُوءِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ (وَالْقَهْقَهَةِ) أَيْ وَالْوُضُوءِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ بِمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَهْقَهَ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» (وَقُبِلَ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (الْقِيَاسُ) أَيْ الْعَمَلُ بِهِ (وَهُوَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute