للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جِدٍّ وَحِرْصٍ فِي بَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِمَا هُوَ سَبَبُ قِوَامِ الدِّينِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي حِفْظِ الْأَحَادِيثِ وَضَبْطِهَا وَالتَّأَمُّلِ فِيمَا لَا نَصَّ عِنْدَهُمْ فِيهِ (بِخِلَافِ غَيْرِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ قُلْت وَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى أَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَلَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَتَرْكُ رَأْيِهِ لِقَوْلِهِ وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى اجْتِهَادَ نَفْسِهِ اهـ وَالْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَصَارَ) قَوْلُ الصَّحَابِيِّ (كَالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَقَدْ يُفِيدُهُ عُمُومُ) قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة: ١٠٠] مَدَحَ الصَّحَابَةَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ التَّابِعُونَ الْمَدْحَ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِهِمْ لَا إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ الْمَدْحِ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا بِاتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي قَوْلٍ وُجِدَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ بَعْضِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ اخْتِلَافٌ فَلَا يَكُونُ مَوْضِعَ اسْتِحْقَاقِ الْمَدْحِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ بِاتِّبَاعِ الْبَعْضِ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ بِتَرْكِ اتِّبَاعِ الْبَعْضِ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فَكَانَ النَّصُّ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِهِمْ إذَا لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ

(وَالظَّاهِرُ) مِنْ الْمَذْهَبِ (فِي) التَّابِعِيِّ (الْمُجْتَهِدِ فِي عَصْرِهِمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (كَابْنِ الْمُسَيِّبِ) وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ (الْمَنْعُ) مِنْ تَقْلِيدِهِ (لِفَوْتِ الْمَنَاطِ الْمُسَاوِي) لِلْمَنَاطِ فِي وُجُوبِ التَّقْلِيدِ لِلصَّحَابِيِّ وَهُوَ بَرَكَةُ الصُّحْبَةِ وَمُشَاهَدَةُ الْأُمُورِ الْمُثِيرَةِ لِلنُّصُوصِ وَالْمُفِيدَةِ لِإِطْلَاقِهَا حَتَّى ذَكَرُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ سَلَّمْنَا لَهُمْ وَإِذَا جَاءَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَا أُقَلِّدُهُمْ هُمْ رِجَالٌ اجْتَهَدُوا وَنَحْنُ رِجَالٌ نَجْتَهِدُ (وَفِي النَّوَادِرِ نَعَمْ كَالصَّحَابِيِّ) وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ (وَالِاسْتِدْلَالُ) لِذَلِكَ (بِأَنَّهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةَ (لَمَّا سَوَّغُوا لَهُ) أَيْ لِلتَّابِعِيِّ الِاجْتِهَادَ وَزَاحَمَهُمْ فِي الْفَتْوَى (صَارَ مِثْلَهُمْ) فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ كَمَا فِي الصَّحَابِيِّ (مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ لِأَنَّ التَّسْوِيغَ) لِاجْتِهَادِهِ (لِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ) أَيْ لِحُصُولِهَا لَهُ (لَا يُوجِبُ ذَلِكَ الْمَنَاطَ) لِوُجُوبِ التَّقْلِيدِ (فَبِرَدِّ شُرَيْحٍ الْحَسَنَ عَلَى عَلِيٍّ) أَيْ فَالِاسْتِدْلَالُ لِهَذَا بِمَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحَاكَمَ إلَى شُرَيْحٍ فَخَالَفَ عَلِيًّا فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْحَسَنِ لَهُ لِلْقَرَابَةِ (وَهُوَ) أَيْ عَلِيٌّ (يَقْبَلُ الِابْنَ) أَيْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ جَوَازُ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ (وَمُخَالَفَةِ مَسْرُوقٍ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي إيجَابِ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي النَّذْرِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ إلَى شَاةٍ) قَالُوا وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى قَوْلِ مَسْرُوقٍ بَعْدَ ثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا يُفِيدُ) الْمَطْلُوبَ لِأَنَّ خِلَافَهُمَا وَتَقْرِيرَهُمَا لِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الِارْتِفَاعَ إلَى رُتْبَةِ الصَّحَابِيِّ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ يَخُصُّهُ (وَجَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْخِلَافَ) فِي قَوْلِ التَّابِعِيِّ (لَيْسَ إلَّا فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ) إجْمَاعُهُمْ (دُونَهُ أَوْ لَا) يُعْتَدُّ بِهِ فِي إجْمَاعِهِمْ (فَعِنْدَنَا نَعَمْ) يُعْتَدُّ بِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ وَقَالَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى وَجْهٍ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

وُجِدَ فِي نُسْخَةِ الْأَصْلِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ شَارِحُ هَذَا الْكِتَابِ مَتَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِطُولِ حَيَاتِهِ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَامْتِنَانِهِ خَتْمَ تَبْيِيضِ هَذَا السِّفْرِ الثَّانِي مِنْ التَّقْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ شَرْحَ كِتَابِ التَّحْرِيرِ عَلَى يَدَيْ مُؤَلِّفِهِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ ذِي الْفَضْلِ الْعَمِيمِ وَالْوَعْدِ الْوَفِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُشْتَهِرِ بِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ عَامَلَهُمْ اللَّهُ بِلُطْفِهِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ بِالْمَدْرَسَةِ الْحَلَاوِيَّةِ النُّورِيَّةِ بِحَلَبِ الْمَحْرُوسَةِ لَا زَالَتْ رِبَاعُهَا بِالْبَرَكَاتِ وَالْفَضَائِلِ مَأْنُوسَهْ وَرَايَاتُ الْأَعْدَاءِ عَنْهَا مَنْكُوسَهْ أَصِيلَ يَوْمِ الْأَحَدِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ هِجْرَةً نَبَوِيَّةً عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَتَسْهِيلُ السَّبِيلِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ فِي خَيْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَافِيَةٍ وَنِعَمٍ مِنْهُ ضَافِيَةٍ وَافِيَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَرْضَاهُ رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا إنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْكَرَمِ الْعَمِيمِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَالصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>