للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وُقُوعُهُ بِغَيْبَتِهِ شَرْعًا وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِمَّا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - (وَمَا بِصِيغَتِهِ) أَيْ وَالْمَرْوِيِّ بِلَفْظِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَرَجَّحُ (عَلَى الْمُنْفَهِمِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الَّذِي رَوَى مَعْنَاهُ الرَّاوِي بِعِبَارَةِ نَفْسِهِ قُلْت؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ الْغَلَطِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَحْكِيَّ بِاللَّفْظِ مُجْمَعٌ عَلَى قَبُولِهِ بِخِلَافِ الْمَحْكِيِّ بِالْمَعْنَى ثُمَّ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ مَا إذَا كَانَ الْآخَرُ قَدْ فَهِمَ مَعْنًى مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَوَاهُ وَمَا إذَا قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا وَنَهَى عَنْ كَذَا بِدُونِ أَنْ يَرْوِيَ صِيغَةَ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ الصَّادِرِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلَّ هَذَا مَا فِي الْمَحْصُولِ، وَكَذَا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رُوِيَ بِالْمَعْنَى

(وَنَافِي مَا يَلْزَمُهُ) أَيْ وَالْخَبَرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى نَفْيِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ (دَاعِيَةٌ) إلَى مَعْرِفَتِهِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (فِي) خَبَرِ (الْآحَادِ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَخَبَرِ طَلْقٍ يَنْفِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَخَبَرِ بُسْرَةَ بِإِثْبَاتِهِ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى هَذَا عَلَى أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَقْدِيمَ الْمُثْبِتِ، وَفَصَّلَ هُوَ أَنَّ الثَّانِيَ إنْ نَقَلَ لَفْظًا مَعْنَاهُ النَّفْيُ كَلَا يَحِلُّ وَنَقَلَ الْآخَرِ يَحِلُّ فَهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُثْبِتٌ وَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَنَفَاهُ الْآخَرُ كَلَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ، فَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ وَقِيلَ: النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ سَوَاءٌ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِمَا فِي حَالَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ قَالَ التَّاجِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُنَا أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى.

وَقَالَ إلْكِيَا وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا حَاصِلُهُ: إنْ كَانَ النَّافِي اسْتَنَدَ إلَى الْعِلْمِ فَمُقَدَّمٌ عَلَى الْمُثْبِتِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: النَّفْيُ الْمَحْصُورُ وَالْإِثْبَاتُ سِيَّانِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُثْبِتَ يُقَدَّمُ إلَّا فِي صُوَرٍ: إحْدَاهَا أَنْ يَنْحَصِرَ النَّفْيُ فَيُضَافَ الْفِعْلُ إلَى مَجْلِسٍ لَا تَكْرَارَ فِيهِ فَيَتَعَارَضَانِ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ رَاوِي النَّفْيِ لَدَيْهِ عِنَايَةٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِثْبَاتِ الثَّالِثَةُ أَنْ يَسْتَنِدَ نَفْيُ النَّافِي إلَى عِلْمٍ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ هِيَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَذْكُورَةَ.

(وَمُثْبِتُ دَرْءِ الْحَدِّ) أَيْ دَفْعِ إيجَابِهِ يَتَرَجَّحُ (عَلَى مُوجِبِهِ) أَيْ الْحَدِّ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْيُسْرِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ الْمُوَافِقَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: ١٨٥] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وَلِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّ مَا يَعْرِضُ فِي الْحَدِّ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الدَّرْءِ وَذَهَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَى تَقْدِيمِ مُوجِبِ الْحَدِّ نَظَرًا إلَى أَنَّ فَائِدَةَ الْعَمَلِ بِالْمُوجِبِ التَّأْسِيسُ وَبِالدَّرْءِ التَّأْكِيدُ، وَالتَّأْسِيسُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّأْكِيدِ قُلْت وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ نَافِيَ الْحَدِّ مُقَدَّمٌ عَلَى مُوجِبِهِ فَيَصِيرُ هَذَا صُورَةً رَابِعَةً لِلصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ آنِفًا مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ شَرْعِيَّتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ وَالْحَدُّ إنَّمَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ إذَا كَانَتْ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ أَوْ لِلِاخْتِلَافِ فِي حُكْمِهِ كَأَنْ يُبِيحَهُ قَوْمٌ وَيَحْظُرَهُ آخَرُونَ كَالْوَطْءِ بِلَا شُهُودٍ وَلَا يُقَالُ: الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ التَّسَاوِي يَئُولُ إلَى تَقْدِيمِ النَّافِي فَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ حُكِمَ بِهِ، وَإِلَّا بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ فَيَلْزَمُ نَفْيُ الْحَدِّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ مَعْنَوِيٌّ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْفِي الْحَدَّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْآخَرَ يَنْفِيهِ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ.

(وَمُوجِبُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) يَتَرَجَّحُ عَلَى نَافِيهِمَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ وَالْإِرْثِ وَنَافِيهِمَا مُبِيحٌ وَالْحَظْرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (وَيَنْدَرِجُ) مُوجِبُهُمَا (فِي الْمُحَرَّمِ وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ) أَيْ يَتَرَجَّحُ نَافِيهِمَا عَلَى مُوجِبِهِمَا؛ لِأَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُتَرَجِّحِ عَلَى النَّافِي لَهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآمِدِيُّ بَحْثًا وَفِيهِ مِنْ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى.

(وَالْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ) يَتَرَجَّحُ (عَلَى الْوَضْعِيِّ) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفِيَّ مُحَصِّلٌ لِلثَّوَابِ، وَمَقْصُودُ الشَّارِعِ بِالذَّاتِ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْوَضْعِيِّ (وَقِيلَ بِعَكْسِهِ) أَيْ يَتَرَجَّحُ الْوَضْعِيُّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْوَضْعِيَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْمُخَاطَبِ وَفَهْمِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>