حَظُّهُ مِنْهَا التَّبْلِيغُ فَهَذَانِ وَجْهَانِ مُتَعَارِضَانِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْحَقِيقَةُ الْوَاحِدَةُ لَهَا شَرَفٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ اهـ.
وَقَطَعَ فِي مُؤَلَّفٍ لَهُ بِأَنَّ النُّبُوَّةَ أَفْضَلُ قَائِلًا: لِأَنَّ النُّبُوَّةَ إخْبَارٌ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَنُعُوتِ الْكَمَالِ، وَهِيَ مُتَعَلَّقَةٌ بِاَللَّهِ مِنْ طَرَفَيْهَا، وَالْإِرْسَالُ دُونَهَا أَمْرٌ بِالْإِبْلَاغِ إلَى الْعِبَادِ فَهُوَ مُتَعَلَّقٌ بِاَللَّهِ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ وَبِالْعِبَادِ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِاَللَّهِ مِنْ طَرَفَيْهِ أَفْضَلُ مِمَّا تَعَلَّقَ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّبُوَّةَ رَاجِعَةٌ إلَى التَّعْرِيفِ بِالْإِلَهِ وَبِمَا يَجِبُ لِلْإِلَهِ، وَالْإِرْسَالَ رَاجِعٌ إلَى أَمْرِهِ الرَّسُولَ بِأَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ إلَى عِبَادِهِ أَوْ إلَى بَعْضِ عِبَادِهِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ، وَالنُّبُوَّةُ سَابِقَةٌ عَلَى الْإِرْسَالِ فَإِنَّ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: ٣٠] مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: ٢٤] فَجَمِيعُ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: ٢٤] نُبُوَّةٌ، وَمَا أَمَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ التَّبْلِيغِ فَهُوَ إرْسَالٌ، وَأَفَادَ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْإِرْسَالَ مِنْ الصِّفَاتِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي لَا ثَوَابَ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الثَّوَابُ عَلَى أَدَاءِ الرِّسَالَةِ الَّتِي حَمَلَهَا، وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَمَنْ قَالَ النَّبِيُّ هُوَ الَّذِي يُنْبِئُ عَنْ اللَّهِ قَالَ يُثَابُ عَلَى إنْبَائِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ، وَمَنْ قَالَ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَشْعَرِيُّ مِنْ أَنَّهُ الَّذِي نَبَّأَهُ اللَّهُ قَالَ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى إنْبَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ لِتَعَذُّرِ انْدِرَاجِهِ فِي كَسْبِهِ وَكَمْ مِنْ صِفَةٍ شَرِيفَةٍ لَا يُثَابُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهَا كَالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي لَا كَسْبَ لَهُ فِيهَا وَكَالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الصِّفَاتِ ثُمَّ لَا شَكَّ فِي أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
وَأَمَّا أَنَّهُ هَلْ هُوَ مُرْسَلٌ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَيْضًا فَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ الْحَلِيمِيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ نَفْيَ إرْسَالِهِ إلَيْهِمْ، وَمَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ بَلْ فِي نُسْخَةٍ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ فِي تَفْسِيرِهِ أَجْمَعْنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ رَسُولًا إلَى الْمَلَائِكَةِ اهـ. فَمَا فِي تَشْنِيفِ الْمَسَامِعِ بِجَمْعِ الْجَوَامِعِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ مِصْرَ مَعَ فَاضِلِ دَرْسٍ عِنْدَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ الْمَلَائِكَةُ مَا دَخَلَتْ فِي دَعْوَتِهِ فَقَامُوا عَلَيْهِ مَا لَفَظَهُ.
وَذَكَرَ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ الدُّخُولَ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١] وَالْمَلَائِكَةُ دَاخِلُونَ فِي هَذَا الْعُمُومِ. اهـ غَلَطٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.
وَمُحَمَّدٌ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ الْأَعْلَامِ، وَهَلْ هُوَ مَنْقُولٌ أَوْ مُرْتَجَلٌ فَعَلَى مَا عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَعْلَامَ كُلَّهَا مَنْقُولَةٌ، وَمَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْمُرْتَجَلِ بِأَنَّهُ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَصْلٌ يَرْجِعُ اسْتِعْمَالُهُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لَفْظٌ مُخْتَرَعٌ أَوْ أَنَّهُ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَمًا وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ نَكِرَةً هُوَ مَنْقُولٌ إمَّا عَنْ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَوْ الْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ كَمَا تَكُونُ اسْمُ مَفْعُولٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْكَثِيرُ قَدْ تَكُونُ مَصْدَرًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: ١٩] ، وَقَوْلُهُمْ جَرَّبْته كُلَّ مُجَرَّبٍ.
وَوَجْهُ كَوْنِهِ مَنْقُولًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الثَّالِثِ فَلِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ صِفَةً قَبْلَ التَّسْمِيَةِ بِهِ، وَعُرِّفَ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ قَالَ الْأَعْشَى
إلَى الْمَاجِدِ الْفَرْعِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ
وَعَلَى مَا عَنْ الزَّجَّاجِ الْأَعْلَامُ كُلُّهَا مُرْتَجَلَةٌ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى قَصْدِ النَّقْلِ إذْ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّصْرِيحِ مِنْ الْوَاضِعِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ تَصْرِيحٌ هُوَ مُرْتَجَلٌ.
وَعَلَى كَوْنِهِ مُرْتَجَلًا مَشَى ابْنُ مُعْطٍ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِيهِ
وَشَقَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ ... فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ
وَلَا قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ رَجُلٌ مُحَمَّدٌ، وَمَحْمُودٌ أَيْ كَثِيرُ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ لَكِنْ لَعَلَّ النَّقْلَ أَشْبَهُ.
ثُمَّ أَيًّا مَا كَانَ فَكَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ إنَّمَا سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُودٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَعِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَإِنْ كَفَرَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْأَرْضِ جَهْلًا أَوْ عِنَادًا، وَهُوَ أَكْثَرُ النَّاسِ حَمْدًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ أَنْ يُسَمَّى بِهِ أَحَدٌ غَيْرَهُ إلَى أَنْ شَاعَ قُبَيْلَ إظْهَارِهِ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ أَنَّ نَبِيًّا يُبْعَثُ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ فَسَمَّى قَلِيلٌ مِنْ الْعَرَبِ أَبْنَاءَهُمْ