إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِهِ (وَكَثِيرٌ) بَلْ نَقَلَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ جَوَازَهُ سَوَاءً لَمْ يُثْبِتْ زِيَادَةً لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا النَّصُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ أَثْبَتَ لِاحْتِمَالِ النَّصِّ زِيَادَةَ الْبَيَانِ فَيَجُوزُ التَّعْلِيلُ لِتَحْصِيلِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ إثْبَاتَ زِيَادَةٍ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا النَّصُّ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ فَإِنَّ جَمِيعَ الْحُكْمِ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ كَانَ مَا أَثْبَتَهُ النَّصُّ وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ يَصِيرُ بَعْضُهُ وَالنَّسْخُ بِالرَّأْيِ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَنُصُّ عَلَى حُكْمِ الْفَرْعِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَبِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ إثْبَاتَ حُكْمِ الْأَصْلِ فِيهِ نَقْضٌ وَإِبْطَالٌ لِلنَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَمِنْ شُرُوطِ الْفَرْعِ أَيْضًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَعَدَمُ الْمُعَارِضِ الرَّاجِحِ وَالْمُسَاوِي فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (لِعِلَّةِ الْأَصْلِ) وَهَذَا هُوَ الْمُعَارِضُ بِزِنَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَاشْتَمَلَ عَلَى بَيَانِ مَا بِهِ الْمُعَارَضَةُ قَوْلُهُ (بِثُبُوتِ وَصْفٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (يُوجِبُ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فِيهِ) أَيْ فِي الْفَرْعِ (إلْحَاقًا بِأَصْلٍ آخَرَ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ (ثَبَتَ حُكْمُ الْمَرْجُوحِ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ) فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْفَرْعِ مُعَارِضٌ رَاجِحٌ يُوجِبُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَيَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ الْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ وَلَا فَائِدَةَ لِلْقِيَاسِ إلَّا إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ (أَوْ) ثَبَتَ (التَّحَكُّمُ) فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مُسَاوٍ يُوجِبُ فِيهِ غَيْرَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ أَيْضًا وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَارِضٌ أَصْلًا أَوْ كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مَرْجُوحٌ أَمْكَنَ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَيُفِيدُ الْقِيَاسُ.
وَكَذَا إذَا كَانَ فِيهِ مُعَارِضٌ مُسَاوٍ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَعْمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ أَوْ بِالتَّخْيِيرِ (وَحَقِيقَتُهُ) أَيْ هَذَا الشَّرْطِ (أَنَّهُ شَرْطُ إثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ لَا شَرْطُ تَحَقُّقِهَا عِلَّةً لِأَنَّ وُجُودَهُ) أَيْ الْمُعَارِضِ (لَا يُبْطِلُ شَهَادَتَهَا) أَيْ الْعِلَّةِ إذْ الْمُنَاسَبَةُ لَا تَزُولُ بِالْمُعَارَضَةِ بَلْ يَتَوَقَّفُ مُقْتَضَاهَا كَالشَّهَادَةِ إذَا عُورِضَتْ بِشَهَادَةٍ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا لَا تُبْطِلُ الْأُخْرَى حَتَّى إذَا تَرَجَّحَتْ إحْدَاهُمَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَةِ الْأُخْرَى.
(وَمِنْهَا) أَيْ شُرُوطِ الْفَرْعِ (لِأَبِي هَاشِمٍ كَوْنُ حُكْمِهِ) أَيْ الْفَرْعِ (ثَابِتًا بِالنَّصِّ جُمْلَةً وَالْقِيَاسُ لِتَفْصِيلِهِ كَثُبُوتِ حَدِّ الْخَمْرِ) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يُفِيدُهُ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (فَيَتَعَيَّنُ عَدَدُهُ) ثَمَانِينَ (بِالْقِيَاسِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي مَسْأَلَةٍ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ (وَرُدَّ) اشْتِرَاطُ هَذَا (بِأَنَّهُمْ قَاسُوا) قَوْلَهُ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ تَارَةً عَلَى الطَّلَاقِ فَيَقَعُ وَتَارَةً عَلَى الظِّهَارِ فَالْكَفَّارَةُ وَعَلَى الْيَمِينِ فَإِيلَاءٌ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ) أَيْ الْإِيلَاءِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْفَرْعِ وَهُوَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ (وَلَا نَصَّ فِي الْفَرْعِ أَصْلًا) لَا جُمْلَةً وَلَا تَفْصِيلًا وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ ثُمَّ صَرَّحَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَائِسِينَ الْأَئِمَّةُ وَالزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ الصَّحَابَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ وَالثَّانِي أَبْلَغُ لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهُ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْقِيَاسُ اللَّهُمَّ إلَّا ابْنُ عَبَّاسٍ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا سَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْهُ نَعَمْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَفْظُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ أَنْتَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْحَرَامُ ثَلَاثٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي قِلَابَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَفِي هَذَا مَا تَرَى مِنْ تَعَارُضٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ فَلَعَلَّ عَنْ كُلٍّ قَوْلَيْنِ وَسَاقَ فِيهِمَا أَقْوَالًا أُخَرَ وَذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّ الْأَوَّلَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ قُلْت وَابْنُ أَبِي شَيْبَةٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ وَالثَّانِي فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظٍ إذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute