للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْضِ الْمُحَالِ.

فَإِنْ وَجَدْنَا أَمْرًا يَصْلُحُ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ ذَلِكَ حَكَمْنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ بِأَنَّهُ مَانِعٌ وَاسْتَمَرَّ ظَنُّ الصِّحَّةِ وَإِلَّا زَالَ فَإِذًا اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ بِصِحَّتِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَكَوْنُهُ مَانِعًا بِالْفِعْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ظُهُورِ الصِّحَّةِ وَظَنِّهَا لَا عَلَى اسْتِمْرَارِهِ فَزَالَ الدَّوْرُ لِأَنَّ الْمُتَوَقِّفَ هُوَ اسْتِمْرَارُ الظَّنِّ وَالْمُتَوَقَّفَ عَلَيْهِ نَفْسُ الظَّنِّ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ مَنْ أَعْطَى فَقِيرًا يَظُنُّ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ لِفَقْرِهِ فَإِذَا لَمْ يُعْطِ آخَرَ تَوَقَّفَ الظَّنُّ لِجَوَازِ وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِهِ.

فَإِنْ تَبَيَّنَ مَانِعٌ كَفِسْقِهِ اسْتَمَرَّ ظَنٌّ أَنَّهُ كَانَ لِلْفَقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يُعْطِ الْآخَرَ مَعَ وُجُودِ الْبَاعِثِ لِفِسْقِهِ وَإِلَّا زَالَ ظَنُّ كَوْنِهِ لِلْفَقْرِ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفَقْرَ مُقْتَضٍ وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْإِعْطَاءِ بِنَاءً عَلَى الْمُقْتَضِي وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ الْفَقْرَ مُقْتَضٍ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْفِسْقَ كَانَ مَانِعًا وَإِلَّا لَكَانَ التَّخَلُّفُ قَاطِعًا فِي عَدَمِ الْمُقْتَضِي (وَيَجْرِي فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْجَوَابِ (إشْكَالُ الْمُقَارَنَةِ) أَيْ مَا إذَا كَانَ الْعِلْمُ بِالتَّخَلُّفِ مُقَارِنًا لِظُهُورِ الْعِلِّيَّةِ إذْ لَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ ذِكْرُ الِاسْتِمْرَارِ (وَدَفْعُهُ) أَيْ إشْكَالِهَا بِأَنَّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِالْعِلِّيَّةِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْمَانِعِيَّةِ بِالْفِعْلِ وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلِّيَّةُ هُوَ الْمَانِعِيَّةُ بِالْقُوَّةِ بِمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ بِحَيْثُ إذَا جَامَعَ الْبَاعِثَ مَنَعَ مُقْتَضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا آنِفًا (وَجْهُ الْمُخْتَارِ) وَأَنَّ عَدَمَ النَّقْضِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَنْصُوصَةِ وَالْمُسْتَنْبَطَة لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّتِهَا (أَنَّهُ) أَيْ التَّخَلُّفَ (تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ دَلِيلِ حُكْمٍ) وَهُوَ كَوْنُ الْوَصْفِ عِلَّةً (فَوَجَبَ قَبُولُهُ كَاللَّفْظِ) أَيْ كَمَا يَجِبُ قَبُولُ التَّخْصِيصِ فِي الْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ إذْ لَا فَرْقَ مُؤَثِّرٌ بَيْنَهُمَا.

(وَمَا قِيلَ الْخِلَافُ) فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّةٍ مَنْقُوضَةٍ (مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْمَعَانِي الْعُمُومَ فَالْمَانِعُ) أَنَّ لَهَا عُمُومًا (إذْ) الْمَعْنَى وَاحِدٌ (لَا تَعَدُّدَ إلَّا فِي مَحَالَّهُ) فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ (مَانِعٌ هُنَا) أَيْ مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا مَعْنًى وَالْقَائِلُ بِأَنَّ لَهَا عُمُومًا يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ لِعُمُومِهَا ثُمَّ الْخِلَافُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (غَيْرُ لَازِمٍ لِوُقُوعِ الِاتِّفَاقِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ كَانَتْ حُجَّةُ الْمَانِعِ هَذَا (عَلَى تَعَدُّدِ مَحَالَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (وَالْكَلَامُ هُنَا) أَيْ فِي تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِهَا) أَيْ مَحَالِّهَا (إذْ حَاصِلُهُ) أَيْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ الْمَعْنَى (يُوجِبُ الْحُكْمَ فِي مَحَالَّهُ إلَّا مَحَلَّ الْمَانِعِ) مِنْ الْحُكْمِ (وَالْمَانِعُ هُوَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ وَبِهِ) أَيْ بِهَذَا التَّقْرِيرِ (انْدَفَعَ قَوْلُ الْمَانِعِينَ) مِنْ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ (أَنَّهُ) أَيْ تَخْصِيصُهَا (تَنَاقُضٌ لَا تَخْصِيصٌ) قَالُوا (لِأَنَّ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ قَوْلَهُ) أَيْ الْمُعَلَّلِ (هَذَا الْوَصْفُ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ) أَيْ الْوَصْفَ (أَمَارَةً عَلَيْهِ) أَيْ الْحُكْمِ (أَيْنَمَا وُجِدَ) أَيْ الْوَصْفُ وَإِنَّمَا انْدَفَعَ قَوْلُهُمْ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ يُوجِبُ جَعْلَهُ أَمَارَةً عَلَيْهِ أَيْنَمَا وُجِدَ (بَلْ) إنَّمَا يُوجِبُ جَعْلَهُ أَمَارَةً عَلَيْهِ (فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ غَيْرَ أَنَّا إذَا قَطَعْنَا بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِي بَعْضِ مَحَالَّهُ) أَيْ الْحُكْمِ (مَعَ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ مَا يَصِحُّ إضَافَةُ التَّخَلُّفِ إلَيْهِ قَدَّرْنَا مَانِعًا) مِنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ) دَلِيلِ الْعِلَّةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَدَلِيلِ التَّخَلُّفِ فِي مَحَلِّهِ.

(وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ وَمَا قِيلَ) أَيْ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَرَّرَهُ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ التَّخْصِيصَ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَعْدِيَتُهَا مِنْ الْأَصْلِ أَعْنِي الدَّلَالَةَ اللَّفْظِيَّةَ إلَى الْفَرْعِ أَعْنِي الْمُعَلَّلَ إذْ (التَّخْصِيصُ مَلْزُومٌ لِلْمَجَازِ الْمَلْزُومِ اللَّفْظِ) لِأَنَّ الْمَجَازَ مِنْ خَوَاصِّ اللَّفْظِ وَاخْتِصَاصُ اللَّازِمِ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ وَهُوَ مُحَالٌ (مُنِعَ بِأَنَّ الْمَلْزُومَ لِلْمَجَازِ مِنْهُ) أَيْ التَّخْصِيصِ (تَخْصِيصُ اللَّفْظِ لَا) التَّخْصِيصُ (مُطْلَقًا بَلْ هُوَ) أَيْ التَّخْصِيصُ مُطْلَقًا (أَعَمُّ) مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلْزُومًا لِلْمَجَازِ أَوْ لَا وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُ مِثْلِهِ فِي صُورَةِ الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ فِي الْعِلَلِ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْمَوَارِدِ كَتَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ وَيَتَّصِفُ بِهِ اللَّفْظُ ضَرُورَةَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَيَمْتَنِعُ اتِّصَافُ الْعِلَّةِ بِهِ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهَا الِاتِّصَافُ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَبَعْدَ إصْلَاحِهِ إلَى وَمَعْنَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إثْبَاتُهُ فِي صُوَرِ الْفَرْعِ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ فِي الْفَرْعِ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي فِي الْأَصْلِ لَا مِثْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ تُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يُجْدِي نَفْعًا فِي إثْبَاتِ جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ قِيَاسًا عَلَى الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجَامِعِ الْمُفِيدِ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَلَمْ يُوجَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>