للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَانِيًا (قَالُوا) أَيْ الْمَانِعُونَ (عُدُولُهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (إلَى الْمَنْعِ دَلِيلُ عَجْزِهِ عَنْ إبْطَالِهِ) أَيْ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ عِلَّةً لَهُ (أَيْ نَقْضُهُ لِأَنَّ مَرْجِعُهُ) أَيْ النَّقْضِ (إلَى مَنْعٍ بِسَنَدِهِ أَوْ كَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَصْفًا (طَرْدِيًّا) فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نَقْضِهِ، وَعَجْزُهُ عَنْ إبْطَالِهِ دَلِيلُ صِحَّتِهِ فَلَا يُسْمَعُ الْمَنْعُ وَلَا يُشْتَغَلُ بِجَوَابِهِ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْبُطْلَانِ (أَمَّا) الْمَنْعُ (بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّقْضِ وَالطَّرْدِيَّةِ (فَغَصْبٌ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِمَنْصِبِ الْمُسْتَدِلِّ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ (لَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ.

(وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُسْمَعْ النَّقْضُ (لَمْ يُسْمَعْ الْمَنْعُ اتِّفَاقًا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَمْ يَسْتَدِلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْعَ (بَعْدَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ) عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ (غَيْرُ مُنْتَظِمٍ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمَنْعَ (طَلَبُهُ) أَيْ الدَّلِيلِ (وَقَدْ حَصَلَ) الدَّلِيلُ (بَلْ) الْمَنْعُ إنَّمَا يَكُونُ (فِي مُقَدِّمَاتِهِ) أَيْ الدَّلِيلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ النَّقْضُ غَصْبًا لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِسَنَدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْعٌ قُبِلَ وَمِنْ حَيْثُ السَّنَدُ الَّذِي هُوَ التَّخَلُّفُ كَانَ إبْطَالًا (قُلْنَا الْمُلَازَمَةُ) الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُمْ عُدُولُهُ إلَى الْمَنْعِ دَلِيلُ عَجْزِهِ (مَمْنُوعَةٌ وَلَوْ سَلِمَتْ) الْمُلَازَمَةُ (لَا يَلْزَمُ صِحَّتُهُ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتَهُ (لِانْتِقَاضِهِ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ (بِكَثِيرٍ) ثُمَّ فِي نُسْخَةٍ (إذْ يَلْزَمُ صِحَّتُهُ كُلَّمَا عَجَزَ الْمُعْتَرِضُ عَنْ إبْطَالِهِ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ (حَتَّى دَلِيلُ الْحُدُوثِ) وَهَذَا آخِرُ مَا فِي الْكِتَابِ نُسْخَةً يَعْنِي حُدُوثَ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتَ الصَّانِعِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَا يَصِحُّ دَلِيلُهُمَا بِمُجَرَّدِ عَجْزِ الْمُعْتَرِضِ عَنْ إبْطَالِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَجْهِ دَلَالَةٍ وَصِحَّةِ تَرْتِيبٍ حَتَّى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْمَنْعِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى دَفْعِهِ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بَلْ حَتَّى دَلِيلَا النَّقِيضَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَعَجَزَ كُلٌّ عَنْ إبْطَالِ الْآخَرِ.

وَقَدْ يُقَالُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَسَائِرِ الصُّوَرِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ طُرُقَ عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ مَحْصُورَةٌ مَضْبُوطَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَالْمُنَاظِرِ فَلَمَّا لَمْ يُظْهِرْ الْمُنَاظِرُ طَرِيقًا مِنْهَا وَهَرَبَ إلَى مُجَرَّدِ الْمَنْعِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقُ نَفْيِهَا فَلَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ أَلْبَتَّةَ لِلنَّاظِرِ وَالْمُنَاظِرِ وَكَيْفَ وَالسَّبْرُ دَلِيلٌ لِلْعِلِّيَّةِ ظَاهِرٌ لِلنَّاظِرِ عَامٌّ لِكُلِّ عِلَّةٍ لِكُلِّ حُكْمٍ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْمُسْتَدِلُّ فَإِذَا اقْتَصَرَ الْمَانِعُ عَلَى مُجَرَّدِ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ مُتَمَكِّنًا مِنْ رُجُوعِهِ إلَى السَّبْرِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مَعَ سَبْرِ الْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَعْدِلَ الْمَانِعُ مِنْ مُجَرَّدِ الْمَنْعِ إلَى إبْطَالِ الْوَصْفِ الَّذِي أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ بِالسَّبْرِ بِمُعَارَضَتِهِ بِإِبْدَاءِ وَصْفٍ آخَرَ لِلْعِلِّيَّةِ فَلْيَفْعَلْ الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْقِيَاسِ وَيَطْرَحْ مُؤْنَةَ الْمَنْعِ وَقَبُولَهُ وَلَا قَبُولَهُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَقَدْ يُعَارَضُ أَيْضًا بِأَنَّ عَجْزَ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ إثْبَاتِهِ دَلِيلُ فَسَادِهِ إذْ طُرُقُ الْعِلِّيَّةِ مِمَّا لَا تَخْفَى فَالْفِرَارُ إلَى مُجَرَّدِ صُورَةِ الدَّلِيلِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِهِ (وَإِذَا بَيَّنَهُ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً (بِنَصٍّ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ (الِاعْتِرَاضُ بِمَا يُمْكِنُ) الِاعْتِرَاضُ بِهِ (عَلَى ذَلِكَ السَّمْعِيِّ) مِنْ مَنْعِ ظُهُورِهِ فِي الدَّلَالَةِ وَصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلِهِ وَطَعْنٍ فِي السَّنَدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ (وَمُعَارَضَتُهُ) بِنَصٍّ آخَرَ مُقَاوِمٌ لَهُ (وَكَذَا الْإِجْمَاعُ) أَيْ إذَا بَيَّنَ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً بِهِ لِلْمُعْتَرِضِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِمَا يُمْكِنُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَنْعِ وُجُودِهِ (وَيَزِيدُ) بَيَانُهُ بِالْإِجْمَاعِ (بِنَفْيِ كَوْنِهِ) أَيْ الْإِجْمَاعِ (دَلِيلًا بِنَحْوِ كَوْنِ السُّكُوتِ يُفِيدُهُ) أَيْ الظَّنَّ (إنْ كَانَ) الْإِجْمَاعُ الْمُثْبَتُ بِهِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ (أَوْ) بَيَّنَهُ (بِغَيْرِهِمَا) أَيْ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ (مِنْ) مَسْلَكٍ (مُخْتَلَفٍ) فِيهِ (كَالدَّوَرَانِ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ (مَنْعُ صِحَّتِهِ وَلِلْآخَرِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (إثْبَاتُهَا) أَيْ صِحَّتِهِ (وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) كَصَاحِبِ الْمَنَارِ هَذَا الْمَنْعُ (يُلْجِئُ أَهْلَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْثِيرِ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ (لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ) أَيْ الْمُؤَثِّرِ فَيَضْطَرُّ إلَى إثْبَاتِهِ لِيُمْكِنَهُ الْإِلْزَامُ عَلَى الْخَصْمِ (يُفِيدُهُ نَفْيُ تَمْكِينِهِ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ (مِنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُؤَثِّرِ.

(وَمُقْتَضَى مَا فِي الِانْتِقَالِ يُخَالِفُهُ) لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِهَا وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا إنْ حَمَلَ) غَيْرَ الْمُؤَثِّرِ (عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَهِضُ) عِلَّةً (لِأَوْجُهِ الْبُطْلَانِ) لِمَا سِوَى التَّأْثِيرِ (فَيَرْجِعُ) الْمُسْتَدِلُّ حِينَئِذٍ (إلَى التَّأْثِيرِ لَكِنَّهُ) أَيْ رُجُوعَهُ إلَيْهِ (انْتِقَالٌ) مِنْ عِلَّةٍ (إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ) أَيْ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ (عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ هُنَا وَعَلِمْت) فِي الِانْتِقَالِ (مَا فِيهِ) أَيْ أَنَّهُ الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ فِي عُرْفِ الْمُنَاظِرِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>