للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا عُرِفَ ثَمَّةَ وَإِثْبَاتًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِمْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا مُطْلَقًا وَمُضَافًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّلُ بِهِ وُجُودِيًّا وَعَدَمِيًّا وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ثَمَّةَ يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ دَلِيلِهِ صَحِيحٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَقَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ فِقْدَانُ الدَّلِيلِ بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَلِيغِ يَغْلِبُ ظَنَّ عَدَمِهِ وَعَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْحُكْمِ لِامْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ إذْ الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِقْدَانَ الدَّلِيلِ بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَلِيغِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْوَقْفُ عَلَيْهِ وَظَنُّ عَدَمِهِ يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إذْ لَوْ ثَبَتَ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَزِمَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ غَيْرَ أَنَّ عَدَّهُ إيَّاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمَقْبُولَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْخَاصِّ أَوْ مُطْلَقًا لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَصَدَقَ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّلْوِيحِ لَا قَائِلَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالنَّفْيِ أَحَدُ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ اهـ وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِنَفْيِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُ الْبَيْضَاوِيِّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ فَهَذَا وَاحِدٌ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ.

(وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ) وَهِيَ الَّتِي لَا يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ بِالِاعْتِبَارِ فِي الشَّرْعِ وَلَا بِالْإِلْغَاءِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى سُنَنِ الْمَصَالِحِ وَتَلَقَّتْهَا الْعُقُولُ بِالْقَبُولِ (أَثْبَتَهَا مَالِكٌ) وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ (وَمَنَعَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ) مِنْهُمْ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَمُتَأَخِّرُو الْحَنَابِلَةِ (لِعَدَمِ مَا يَشْهَدُ) لَهَا (بِالِاعْتِبَارِ وَلِعَدَمِ أَصْلِ الْقِيَاسِ فِيهَا كَمَا يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ مِنْ فَصْلِ الْعِلَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَرَافِيُّ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُمْ يَقِيسُونَ وَيُفَرِّقُونَ بِالْمُنَاسَبَاتِ وَلَا يَطْلُبُونَ شَاهِدًا بِالِاعْتِبَارِ وَلَا يَعْنِي بِالْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ إلَّا ذَلِكَ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ الْعَمَلَ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا أُمُورًا لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ لَا لِتَقْدِيمِ شَاهِدٍ بِالِاعْتِبَارِ نَحْوَ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا نَظِيرٌ وَوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَظِيرٌ وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْخِلَافَةِ شُورَى وَتَدْوِينُ الدَّوَاوِينِ وَعَمَلُ السِّكَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَاِتِّخَاذِ السِّجْنِ فَعَمِلَ ذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذِهِ الْأَوْقَافُ الَّتِي بِإِزَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالتَّوْسِعَةُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ ضِيقِهِ فَعَلَهُ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَجْدِيدُ أَذَانٍ فِي الْجُمُعَةِ بِالسُّوقِ وَهُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فَعَلَهُ عُثْمَانُ ثُمَّ نَقَلَهُ هِشَامٌ إلَى الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ كَثِيرٌ حَدًّا لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ عَمِلَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْغِيَاثِيِّ أُمُورًا وَجَوَّزَهَا وَأَفْتَى بِهَا وَالْمَالِكِيَّةُ بَعِيدُونَ عَنْهَا وَجَسَرَ عَلَيْهَا وَقَالَهَا لِلْمَصْلَحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ مَعَ أَنَّ الِاثْنَيْنِ شَدِيدَا الْإِنْكَارِ عَلَيْنَا فِي الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ انْتَهَى فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِمَنْ تَتَبَّعَ وَحَقَّقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا ثَانٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ.

(وَتَعَارُضُ الْأَشْبَاهِ) أَيْ بَقَاءُ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِتَعَارُضِ أَصْلَيْنِ فِيهِ يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا (كَقَوْلِ زُفَرَ فِي الْمَرَافِقِ) لَا يَجِبُ غُسْلُهَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهَا (غَايَةٌ) لِغُسْلِ الْيَدِ وَالْغَايَةُ قِسْمَانِ (دَخَلَ مِنْهَا) فِي الْمُغَيَّا قِسْمٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: ١] (وَخَرَجَ) مِنْهَا عَنْ الْمُغَيَّا قِسْمٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] وَإِذْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ دُخُولُ الْمَرَافِقِ فِي الْغُسْلِ بِأَوْلَى مِنْ عَدَمِ دُخُولِهَا فِيهِ (فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ غُسْلُهَا وَاجِبًا فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ (وَدُفِعَ) كَوْنُهُ دَلِيلًا (بِأَنَّهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِالْجَهْلِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ) لِزُفَرَ (الْأَصْلُ عَدَمُهُ) أَيْ دُخُولُ الْمَرَافِقِ فِي الْغُسْلِ (فَيَبْقَى) عَدَمُهُ مُسْتَمِرًّا (إلَى ثُبُوتِ مُوجِبِهِ) أَيْ الدُّخُولِ (وَالثَّابِتُ) فِي الْغَايَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُغَيَّا دُخُولًا وَخُرُوجًا إنَّمَا هُوَ (التَّعَارُضُ) وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ إلَى مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ فَلْيُرَاجَعْ وَهَذَا ثَالِثٌ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ.

(وَمِنْهَا) أَيْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ (الِاسْتِدْلَال) وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الدَّلَالَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ يَرِدُ لِمَعَانٍ مِنْهَا الطَّلَبُ كَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَالِاتِّخَاذُ كَاسْتَعْبَدَ فُلَانٌ فُلَانًا وَاسْتَأْجَرَهُ أَيْ اتَّخَذَهُ عَبْدًا وَأَجِيرًا فَذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ طَلَبُ الدَّلِيلِ وَفِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ مُطْلَقًا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>