لَيْسَ تَعْرِيفًا لِلِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا بَلْ (تَعْرِيفٌ لِنَوْعٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ) وَهُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الظَّنِّيَّةِ (لِأَنَّ مَا) أَيْ الِاجْتِهَادَ (فِي الْعَقْلِيَّاتِ اجْتِهَادٌ غَيْرَ أَنَّ الْمُصِيبَ) فِي الْعَقْلِيَّاتِ (وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ آثِمٌ وَالْأَحْسَنُ تَعْمِيمُهُ) أَيْ التَّعْرِيفِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ظَنِّيًّا كَانَ أَوْ قَطْعِيًّا (بِحَذْفِ ظَنِّيٍّ) فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ قَدْ يَكُونُ فِي الْقَطْعِيِّ مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مَا بَيْنَ أَصْلِيٍّ وَفَرْعِيٍّ غَايَتُهُ أَنَّ الْحَقَّ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْمُخَالِفَ فِيهِ مُخْطِئٌ آثِمٌ فِي نَوْعٍ مِنْهُ غَيْرَ آثِمٍ فِي نَوْعٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي نَعَمْ إنْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ لَا يَحْكُمُ فِيهِ بِإِثْمِ الْمُخْطِئِ فِيهِ اُحْتِيجَ إلَى قَيْدٍ مُخْرِجٍ لِمَا يَكُونُ الْمُخْطِئُ آثِمًا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْآمِدِيِّ وَالرَّازِيِّ وَمُوَافِقِهِمَا الْمُجْتَهَدُ فِيهِ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ.
(ثُمَّ يَنْقَسِمُ) الِاجْتِهَادُ (مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ) الْمُتَعَلِّقُ بِهِ (إلَى وَاجِبٍ عَيْنًا عَلَى الْمَسْئُولِ) عَلَى الْفَوْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَادِثَةِ) عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ إذَا نَزَلَتْ الْحَادِثَةُ بِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا (وَكِفَايَةً) أَيْ وَإِلَى وَاجِبٍ كِفَايَةً عَلَى الْمَسْئُولِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ (لَوْ لَمْ يَخَفْ) فَوَاتَ الْحَادِثَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ (وَثَمَّ غَيْرُهُ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَيَتَوَجَّهُ الْوُجُوبُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَأَخَصُّهُمْ بِوُجُوبِهِ مَنْ خُصَّ بِالسُّؤَالِ عَنْ الْحَادِثَةِ حَتَّى لَوْ أَمْسَكُوا مَعَ ظُهُورِ الْجَوَابِ وَالصَّوَابِ لَهُمْ أَثِمُوا وَإِنْ أَمْسَكُوا مَعَ الْتِبَاسِهِ عَلَيْهِمْ عُذِرُوا وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الطَّلَبُ وَكَانَ فَرْضُ الْجَوَابِ بَاقِيًا عِنْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَيَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِهِ (وَيَسْقُطُ) الْوُجُوبُ عَنْ الْكُلِّ (بِفَتْوَى أَحَدِهِمْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا (وَعَلَى هَذَا) أَيْ سُقُوطِ الْوُجُوبِ بِفَتْوَى أَحَدِهِمْ لَوْ أَنَّ مُجْتَهِدًا ظَنَّ خَطَأَ الْمُفْتِي فِيمَا أَجَابَ بِهِ (لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ) أَيْ الْجَوَابَ (خَطَأً) الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ هَذَا وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْإِثْمِ بِالرَّدِّ إذَا كَانَ هُنَاكَ غَيْرُ الْمَسْئُولِ وَأَصَحُّهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ شُهُودٌ يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِبَعْضِهِمْ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ إذَا طُلِبَ الْأَدَاءُ مِنْ الْبَعْضِ قَالَ وَفِي الْفَرْقِ غُمُوضٌ انْتَهَى قِيلَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْفَتْوَى تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَفِكْرٍ وَالْمُشَوَّشَاتُ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى ذَلِكَ وَلَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ (وَكَذَلِكَ حُكْمٌ تَرَدَّدَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ) مُجْتَهِدَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي النَّظَرِ فِيهِ يَكُونُ وُجُوبُ الِاجْتِهَادِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ وُجُوبَ كِفَايَةٍ (أَيُّهُمَا حَكَمَ بِشَرْطِهِ) الْمُعْتَبَرِ فِيهِ شَرْعًا (سَقَطَ) الْوُجُوبُ عَنْهُمَا وَإِنْ تَرَكَاهُ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَا (وَ) إلَى (مَنْدُوبٍ) وَهُوَ مَا (قَبْلَهُمَا) أَيْ وُجُوبِهِ عَيْنًا وَوُجُوبِهِ كِفَايَةً كَالِاجْتِهَادِ فِي حُكْمِ شَيْءٍ بِلَا سُؤَالٍ عَنْهُ وَلَا نُزُولِهِ لِيَطَّلِعَ عَلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ قَبْلَ نُزُولِهِ (وَمَعَ سُؤَالٍ فَقَطْ) أَيْ وَفِيمَا يُسْتَفْتَى عَنْ حُكْمِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ (وَ) إلَى (حَرَامٍ) وَهُوَ الِاجْتِهَادُ (فِي مُقَابَلَةِ) دَلِيلٍ (قَاطِعٍ) مِنْ (نَصٍّ) (أَوْ إجْمَاعٍ)
(وَشَرْطُ مُطْلَقِهِ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ (بَعْدَ صِحَّةِ إيمَانِهِ) بِمَعْرِفَةِ الْبَارِي تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُعْجِزَاتِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَسَائِرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ دُونَ التَّدْقِيقَاتِ التَّفْصِيلِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ دَأْبُ الْمُتَبَحِّرِينَ فِي الْكَلَامِ وَبُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ (مَعْرِفَةُ مَحَالِّ جُزْئِيَّاتِ مَفَاهِيمِ الْأَلْقَابِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلْمَتْنِ مِنْ شَخْصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الظُّهُورِ كَالظَّاهِرِ) وَالنَّصِّ وَالْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ (وَالْعَامِّ) وَالْخَاصِّ (وَالْخَفَاءِ كَالْخَفِيِّ وَالْمُجْمَلِ) وَالْمُشْكِلِ وَالْمُتَشَابِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي انْقِسَامَاتِ الْمُفْرَدِ السَّابِقَةِ فِي فُصُولِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا عِنْدَ طَلَبِ الْحُكْمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ ثُمَّ قِيلَ: هُوَ مِنْ الْكِتَابِ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ قِيلَ: وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا مُقَاتِلَ بْنَ سُلَيْمَانَ أَوَّلَ مَنْ أَفْرَدَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ بِالتَّصْنِيفِ ذَكَرَهَا خَمْسَمِائَةٍ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ أَرَادَ الظَّاهِرَةَ لَا الْحَصْرَ، وَمِنْ السُّنَّةِ خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ، وَقِيلَ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ وَحُمِلَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَالتَّغْلِيظِ فِي الْفُتْيَا، أَوْ أَرَادَ وَصْفَ أَكْمَلِ الْفُقَهَاءِ، فَأَمَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَقَدْ قَالَ: الْأُصُولُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ لَا مَعْرِفَةُ الْجَمِيعِ، وَهُوَ فِي السُّنَّةِ ظَاهِرٌ لِتَعَذُّرِهِ لِسَعَتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute