إطْلَاقِ الْكَافِرِ عَلَى مُسْلِمٍ تَقَدَّمَ كُفْرُهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ امْتِنَاعَ الشَّيْءِ مَتَى دَارَ إسْنَادُهُ بَيْنَ عَدَمِ الْمُقْتَضِي، وَوُجُودِ الْمَانِعِ كَانَ إسْنَادُهُ إلَى عَدَمِ الْمُقْتَضِي أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْنَدَ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ لَكَانَ الْمُقْتَضِي وُجِدَ وَتَخَلَّفَ أَثَرُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَيَكُونُ عَلَى هَذِهِ دَعْوَى امْتِنَاعِ الْكَافِرِ لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي، وَهُوَ وُجُودُ مَعْنَى الْوَصْفِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى امْتِنَاعِهِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَقِيقَةِ بِصَدَدِ مَنْعِ عَدَمِ الْمُقْتَضِي؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ.
نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَمَامُ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ الِادِّعَاءُ الْمَذْكُورُ إذَا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعٌ عَلَى الْمَنْعِ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وُجُودُهُ حَيْثُ قَالَ: لَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْقَائِمِ قَاعِدًا وَالْقَاعِدِ قَائِمًا لِلْقُعُودِ وَالْقِيَامِ السَّابِقِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ اللِّسَانِ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لَوْ اتَّحَدَ الزَّمَانُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ قُلْنَا الْكَلَامُ فِي اللُّغَةِ، وَبُطْلَانُ ذَلِكَ مَعْلُومٌ لُغَةً لَكِنَّ شَيْخَنَا الْمُصَنِّفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ عَقْلِيٌّ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لَوْ ادَّعَوْهُ فَلَا ضَيْرَ عَلَيْهِ (قَالُوا) ثَالِثًا (لَوْ اُشْتُرِطَ لِكَوْنِهِ) أَيْ الْوَصْفِ (حَقِيقَةً بَقَاءُ الْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ لِأَكْثَرِ الْمُشْتَقَّاتِ حَقِيقَةٌ كَضَارِبٍ وَمُخَيَّرٍ) وَالْوَجْهُ حَذْفُ ضَارِبٍ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ بَقَاءَ الْمَعْنَى لَوْ كَانَ شَرْطًا لِلْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ حَقِيقَةٌ فَإِنَّهَا كَمَا تَقَدَّمَ يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانِيهَا دَفْعَةً فِي زَمَانٍ، وَلَا تَجْتَمِعُ أَجْزَاءُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ؛ لِأَنَّهَا تَدْرِيجِيَّةُ التَّحَقُّقِ لَا يَحْصُلُ الْجُزْءُ الثَّانِي مِنْهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَوَّلُ وَهَلُمَّ جَرًّا فَانْتَفَى أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْحَالِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَى كَوْنِهَا قَارَّةً فِيهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَالْفَرْضُ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَقِيقَةً فِيمَا مَضَى لِعَدَمِ حُصُولِ مَعَانِيهَا وَلَا فِيمَا يُسْتَقْبَلُ لِانْقِضَائِهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا حِينَئِذٍ حَقِيقَةٌ أَصْلًا.
وَهَذَا بِخِلَافِ الضَّرْبِ فَإِنَّهُ دَفْعِيُّ الْحُصُولِ كَمَا سَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا وَقَعَ ذِكْرُهُ نَظَرًا لِذِكْرِ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ إيَّاهُ مَعَ الْمَشْيِ وَالْحَرَكَةِ وَالتَّكَلُّمِ تَمْثِيلًا لِلْمَصَادِرِ الَّتِي يَمْتَنِعُ وُجُودُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ (بَلْ لِنَحْوِ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ) أَيْ بَلْ إنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ حَقِيقَةً لِلْمُشْتَقَّاتِ مِنْ الْمَصَادِرِ الْآنِيَةِ وَهِيَ الَّتِي تَجْتَمِعُ أَجْزَاءُ مَعَانِيهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَتَبْقَى كَعَالِمٍ وَقَائِمٍ وَنَاصِرٍ أَوْ تُوجَدُ دَفْعَةً كَضَارِبٍ بِأَنْ تُطْلَقَ عَلَى مَنْ قَامَتْ بِهِ حَالَ قِيَامِهَا بِهِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ (وَالْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ بَقَاءَ الْمَعْنَى (يُشْتَرَطُ) فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً (إنْ أَمْكَنَ) بَقَاؤُهُ (وَإِلَّا فَوُجُودُ جُزْءٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقَاءُ الْمَعْنَى فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةُ وُجُودِ جُزْءٍ مِنْ الْمَعْنَى مَعَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُشْتَقَّاتِ الْمَذْكُورَةِ حَقِيقَةٌ أَصْلًا لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِ هَذَا الْقَدْرِ فِيهَا ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ مُطْلَقِ الِاشْتِرَاطِ أُورِدَ كَيْفُ يَصِحُّ هَذَا مِنْهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى الْجَوَابِ عَنْ الدَّلِيلِ إبْطَالُهُ، وَبَيَانُ عَدَمِ إفَادَتِهِ مَطْلُوبَ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَضُرُّهُ عَدَمُ مُوَافَقَتِهِ مَذْهَبَ الْمُجِيبِ، وَهَذَا مَا يُقَالُ: الْمَانِعُ لَا مَذْهَبَ لَهُ.
وَقِيلَ: هَذَا تَخْصِيصٌ لِلدَّعْوَى بِصُورَةِ الْإِمْكَانِ وَرُجُوعٌ إلَى الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ثُمَّ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا) التَّفْصِيلَ (يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَادَ مُطْلَقِ الِاشْتِرَاطِ) أَيْ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْمَعْنَى فِي كَوْنِ الْإِطْلَاقِ حَقِيقِيًّا عَنْ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ مِمَّا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ أَوْ لَا يُمْكِنُ، وَأَنَّهُ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ مَجَازٌ (ضَرُورَةً) وَإِلَّا لَزِمَ اللَّازِمُ الْبَاطِلُ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ نَحْوُ مُخْبِرٍ يُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً أَصْلًا (لَا) أَنْ يَكُونَ الِاشْتِرَاطُ الْمُطْلَقُ عَنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ مَعَ كَوْنِهِ بَعْدَ الِانْقِضَاءِ مَجَازًا (مَذْهَبًا ثَالِثًا) لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَعْدَ الِانْقِضَاءِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ فَلَيْسَ هُنَا فِي التَّحْقِيقِ سِوَى مَذْهَبَيْنِ يَجْتَمِعَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَالَ الِاتِّصَافِ وَيَفْتَرِقَانِ فِيمَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ (فَهُوَ) أَيْ مُطْلَقُ الِاشْتِرَاطِ (وَإِنْ قَالَ: يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمَعْنَى) لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ لَا يُرِيدُ بِهِ بَقَاءَ كُلِّهِ بَلْ (يُرِيدُ وُجُودَ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَعْنَى (فَلَفْظُ مُخْبِرٍ وَضَارِبٍ إذَا أُطْلِقَ فِي حَالِ الِاتِّصَافِ بِبَعْضِ الْإِخْبَارِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute