للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونفى الخوف والحزن عن المهتدين يوم القيامة كناية عن سلامتهم من العذاب وفوزهم بالنعيم الخالد في الجنة، فتمت المقابلة بين جزاء المهتدين وجزاء الكافرين المشار إليه بقوله- تعالى-:

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

إذ هذه الآية الكريمة معطوفة على قوله- تعالى- فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ. إلخ، وواردة مورد المقابل له في تفصيل أحوال من يأتيهم الهدى من الله.

ولم يقل: والذين لم يتبعوا هداي أولئك أصحاب النار.. وإنما قال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ.. إلخ، وذلك لأن من لم يتبع هدى الله يشمل من لم تبلغه الدعوة، وغير المكلفين مثل الصبيان وفاقدى العقل، وهؤلاء ليسوا من أصحاب النار. فظهر أن قوله:

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا.. جيء به على قدر من يستحقون الحكم عليهم بأنهم من أصحاب النار والمجازاة بالعذاب الخالد الأليم.

والآيات: جمع آية، وهي في الأصل العلامة، وتستعمل في الطائفة من الكتاب المنزل، وفيما يستدل به على وجود الله وتوحيده، من نحو بدائع مصنوعاته ومظاهر عنايته بالإنسان.

وأضاف- سبحانه- الآيات إلى نفسه فقال: بِآياتِنا ليكون قبح التكذيب بها أظهر، وأتى بنون العظمة فقال (بآياتنا) دون أن يقول «بآياتى» لبعث المهابة في نفوس السامعين، وذلك أدعى إلى تلقى الوعيد باهتمام وخشية.

وأصحاب: جمع صاحب مأخوذ من الصحبة، وهي الاقتران والملازمة، ودل بقوله: هُمْ فِيها خالِدُونَ على أن صحبتهم للنار دائمة، وليست من الصحبة التي تستمر مدة ثم تنقطع.

هذا جانب من قصة آدم كما حكاه القرآن في هذه السورة، ومن الحكم التي تؤخذ منها: أن سياسة الأمم على الطريقة المثلى إنما تقوم على أساس راسخ من العلم، وأن فضل العلم النافع فوق فضل العبادة، وأن روح الشر الخبيثة إذا طغت على نفس من النفوس، جعلتها لا ترى البراهين الساطعة، ولا يوجهها إلى الخير وعد، ولا يردعها عن الشر وعيد.

كما يستفاد منها كيف أن الرئيس يفسح المجال لمرءوسيه المخلصين، يجادلونه في أمر يريد قضاءه، ولا يزيد عن أن يبين لهم وجهة نظره في رفق، وإذا تجاوزوا حدود الأدب اللائق به راعى في عتابهم ما عرفه فيهم من سلامة القلب، وتلقى أوامره بحسن الطاعة.

كما يؤخذ منها أن المتقلب في نعمة يجب أن يحافظ عليها بشكر الله، ولا يعمل عملا فيه مخالفة لأوامر الله لأن مخالفة أوامر الله، كثيرا ما تؤدى إلى زوال تلك النعمة، ومن أراد أن تزداد النعم بين يديه، فعليه أن يلتزم طاعة الله وشكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>