للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٢١ الى ٢٢]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢)

فأنت ترى أن الله- تعالى- قد وصف هؤلاء المارقين بصفات ينفر منها كل عاقل وصفهم أولا بأنهم: يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ أى لا يكتفون بالكفر بالله- تعالى-، بل يكفرون بالآيات المثبتة لوحدانيته، وبالرسل الذين جاءوهم بالهدى والحق.

ووصفهم ثانيا بأنهم يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وقتل النبيين بغير حق فعل معروف عن اليهود، فهم الذين قتلوا زكريا- عليه السّلام- لأنه حاول أن يخلص ابنه يحيى- عليه السلام- من القتل وقتلوا يحيى لأنه لم يوافقهم في أهوائهم وحاولوا قتل عيسى- عليه السّلام- ولكن الله تعالى نجاه من مكرهم، وقتلوا غيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام «١» .

فإن قيل إن اليهود ما قتلوا كل الأنبياء فلم أخبر القرآن عنهم أنهم يقتلون النبيين ولم يقل يقتلون بعض النبيين؟

فالجواب أنهم بقتلهم لبعض النبيين فقد استهانوا بمقام النبوة، ومن استهان بمقام النبوة بقتله لبعض الأنبياء فكأنه قد قتل الأنبياء جميعا، ونظير هذا قوله- تعالى-: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً «٢» .

وقيد القتل بأنه بِغَيْرِ حَقٍّ مع أن قتل الأنبياء لا يكون بحق أبدا، للتصريح بموضع الاستنكار، لأن موضع الاستنكار هو اعتداؤهم على الحق بقتلهم الأنبياء، وللإشارة إلى أنهم لتوغلهم في الظلم والعدوان قد صاروا أعداء للحق لا يألفونه ولا تميل إليه نفوسهم، وللتسجيل عليهم أن هذا القتل للأنبياء كان مخالفا لما في شريعتهم فإنها قد نهتهم عن قتلهم،


(١) راجع كتابنا «بنو إسرائيل في القرآن والسنة» ج ٣ ص ٤٤. [.....]
(٢) سورة المائدة، الآية ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>