للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: وهذه الآية وأمثالها من أصرح الدلالات على عموم بعثته صلّى الله عليه وسلّم إلى جميع الخلق كما هو معلوم من دينه ضرورة، وكما دل عليه الكتاب والسنة في غير ما آية وحديث فمن ذلك قوله- تعالى- قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً وقال- تعالى- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً.

وفي الصحيحين وغير هما مما ثبت تواتره بالوقائع المتعددة أنه صلّى الله عليه وسلّم بعث كتبه يدعو إلى الله ملوك الآفاق وطوائف بنى آدم من عربهم وعجمهم. كتابيهم وأميهم امتثالا لأمر الله له بذلك، فعن أبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار» .

وقال صلّى الله عليه وسلّم «بعثت إلى الأحمر والأسود» . وقال: «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» وعن أنس- رضى الله عنه- أن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلّى الله عليه وسلّم وضوءه ويناوله نعليه فمرض. فأتاه النبي صلّى الله عليه وسلّم فدخل عليه وأبوه قاعد عند رأسه، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا فلان قل لا إله إلا الله، فنظر إلى أبيه فسكت أبوه فأعاد عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم القول. فنظر إلى أبيه، فقال له أبوه أطع أبا القاسم. فقال الغلام أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يقول: الحمد لله الذي أخرجه بي من النار» رواه البخاري في الصحيح. إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث «١» .

وبهذا نرى أن الآيات الكريمة قد بينت للناس في كل زمان ومكان أن دين الإسلام هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده وشهد بذلك خالق هذا الكون- عز وجل- وكفى بشهادته شهادة كما شهد بذلك الملائكة المقربون والعلماء المخلصون. كما بينت أن كثيرا من الذين أوتوا الكتاب يعلمون هذه الحقيقة ولكنهم يكتمونها ظلما وبغيا، كما بينت- أيضا- أن الذين يدخلون في هذا الدين يكونون بدخولهم قد اهتدوا إلى الطريق القويم، وأن الذين يعرضون عنه سيعاقبون بما يستحقونه بسبب هذا الإعراض عن الحق المبين.

ثم انتقل القرآن إلى سرد بعض الرذائل التي عرف بها اليهود وعرف بها أسلافهم، وبين سوء مصيرهم ومصير كل من يفعل فعلهم فقال- تعالى-:


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>