ثم وصف الله تعالى ذاته بما هو أهل له من صفات القدرة والوحدانية فقال تعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ أى: قل- يا محمد- للناس إنى رسول إليكم من الله الذي له التصرف في السموات والأرض، والذي لا معبود بحق سواه والذي بيده الأحياء والإماتة، ومن كان هذا شأنه فمن الواجب أن يطاع أمره، وأن يترك ما نهى عنه، وأن يصدق رسوله. ثم بنى- سبحانه- على هذه النعوت الجليلة التي وصف بها نفسه الدعوة إلى الإيمان فقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أى: فآمنوا أيها الناس جمعا بالله الواحد الأحد وآمنوا- أيضا برسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم النبي الأمى الذي يؤمن بالله، وبما أنزل عليه وعلى من تقدمه من الرسل من كتبه ووحيه واسلكوا سبيله، واقتفوا آثاره، في كل ما يأمر به أو ينهى عنه رجاء أن تهتدوا إلى الصراط المستقيم.
وفي وصفه صلّى الله عليه وسلّم بالأمية مرة ثانية، إشارة إلى كمال علمه، لأنه مع عدم مطالعته للكتاب، أو مصاحبته لمعلم. فتح الله له أبواب العلم، وعلمه ما لم يكن يعلم من سائر العلوم التي تعلمها الناس عنه، وصاروا بها أئمة العلماء وقادة المفكرين، فأكرم بها من أمية تضاءل بجانبها علم العلماء في كل زمان ومكان.
وبذلك تكون الآيتان الكريمتان قد وصفتا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأشرف الصفات وأقامتا أوضح الحجج وأقواها على صدقه في نبوته، ودعتا اليهود بل الناس جميعا إلى الإيمان به لأنه قد بشرت به الكتب السماوية السابقة ولأنه صلّى الله عليه وسلّم ما جاءهم إلا بالخير، وما نهاهم إلا عن الشر. ولأن شريعته تمتاز باليسر والسماحة، ولأن أنصاره وأتباعه هم المفلحون، ولأن رسالته عامة للجن والانس، ومن كانت هذه صفاته، وتلك شريعته، جدير أن يتبع، وقمين أن يصدق ويطاع، وما يعرض عن دعوته إلا من طغى وآثر الحياة الدنيا.
ثم بين القرآن الكريم أن قوم موسى لم يكونوا جميعا ضالين. وإنما كان فيهم الأخيار وفيهم الأشرار فقال- تعالى-:
أى: ومن قوم موسى جماعة عظيمة يهدون الناس بالحق الذي جاءهم به من عند الله، وبالحق- أيضا- يسيرون في أحكامهم فلا يجورون، ولا يرتشون، وإنما يعدلون في كل شئونهم.
والمراد بهم أناس كانوا على خير وصلاح في عهد موسى- عليه السلام، مخالفين لأولئك السفهاء من قومه.