التفت- سبحانه- بالحديث إلى أولئك الذين وصفوا القرآن بأنه أساطير الأولين.. فرد عليهم بما يخرس ألسنتهم، ونعت القرآن بنعوت جليلة فقال- تعالى-:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٧٥ الى ٨٠]
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠)
قال بعض العلماء: ورد القسم على هذا النحو في القرآن الكريم كثيرا، ومن ذلك قوله- تعالى-: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ، وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ وقوله: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوارِ الْكُنَّسِ....
وقد جاء على غير هذه الصورة، أى: من غير لا النافية، ومن غير الفعل «أقسم» كما في قوله- تعالى-: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ.. وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ....
وتارة يكون القسم بأشياء مختلفة من خلقه- تعالى- كالصافات، والطور، والتين، والقرآن «١» . والفاء في قوله- تعالى-: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ للتفريع على ما تقدم من أدلة البعث.
وفَلا عند أكثر المفسرين في هذا التركيب وأمثاله: مزيدة للتأكيد، كما في قوله- تعالى-: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ ... أى ليعلم أهل الكتاب. والمعنى هنا: فأقسم بمواقع النجوم..
قالوا: وزيادتها هنا جاءت جريا على سنن العرب من زيادتها قبل القسم، كما في قولهم:
لا وأبيك، كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه، فيفيد الكلام التأكيد.
ويرى بعضهم أن لا هنا: للنفي فيكون المعنى: فلا أقسم بمواقع النجوم، لأن الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلا فضلا عن هذا القسم العظيم.
قال الآلوسى ما ملخصه: فَلا أُقْسِمُ ... لا مزيدة للتأكيد مثلها في قوله- تعالى-:
(١) راجع تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ٩٦، للشيخ محمد على السائس.