سوى علام الغيوب، ففي وصفهم بأنهم يَظُنُّونَ إشارة إلى خوفهم، وعدم أمنهم مكر الله- تعالى- وهكذا يكون المؤمن دائما بين الخوف والرجاء.
ومن هذا العرض لمعنى الآية الكريمة يتبين لنا، أن من فسر الظن هنا بمعنى اليقين والعلم، يرى أن لقاء الخاشعين لله معناه الحشر بعد الموت، ورجوعهم إليه معناه مجازاتهم على أعمالهم.
والحشر والمجازاة يعتقد صحتهما الخاشعون اعتقادا جازما.
أما من فسر الظن هنا بمعنى الاعتقاد الراجح، فيرى أن لقاء الخاشعين لله معناه توقعهم لقاء ثوابه، ورجوعهم إليه معناه ظفرهم بجناته، وتوقع الثواب والظفر بالجنات يرجح الخاشعون حصولهما لأن مرجعهما إلى فضل الله وحده.
والذي نراه أن الرأى الأول أكثر اتساقا مع ظاهر معنى الآية الكريمة وبه قال قدماء المفسرين، كمجاهد وأبى العالية وغيرهما.
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة توبيخ أحبار اليهود على نصحهم لغيرهم وتركهم لأنفسهم وإرشادهم إلى العلاج الذي يشفيهم من هذا الخلق الذميم، ومن غيره متى استعملوه بصدق وإخلاص، وهذا العلاج يتمثل في تذرعهم بالصبر. ومداومتهم على الصلاة، وشكرهم لله- تعالى- على نعمه التي فصلت الآيات بعد ذلك الحديث عنها، وها نحن نذكرها مرتبة كما ساقها القرآن الكريم.
أعاد القرآن الكريم نداءهم، تأكيدا لتذكيرهم بواجب الشكر، واهتماما بمضمون الخطاب وما يشتمل عليه من أوامر ومنهيات، وتفصيلا لما أسبغه الله عليهم من منن بعد أن أجملها في النداء الأول، ليكون التذكير أتم والتأثير أشد، والشكر عليها أرجى.
وقد جرت سنة القرآن الكريم أن يكرر الجمل المشتملة على أمور تستوجب المزيد من العناية كما في حال ذكر النعم، لأن تكرارها يغرى النفوس الكريمة بطاعة مرسلها، والسير على الطريق القويم.