للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهداه، فإن البخل والجزع والهلع صفة له، كما قال- تعالى-: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً. إِلَّا الْمُصَلِّينَ.

ولهذا نظائر كثيرة في القرآن الكريم، وهذا يدل على كرمه- تعالى- وإحسانه. وقد جاء في الصحيحين: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه «١» .

وقال الآلوسى: وقد بلغت هذه الآية من الوصف بالشح الغاية القصوى التي لا يبلغها الوهم، حيث أفادت أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله- تعالى- التي لا تتناهى، وانفردوا بملكها من غير مزاحم، لأمسكوا عن النفقة من غير مقتض إلا خشية الفقر، وإن شئت فوازن بقول الشاعر:

ولو ان دارك أنبتت لك أرضها ... إبرا يضيق بها فناء المنزل

وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ... ليخيط قد قميصه لم تفعل

مع أن فيه من المبالغات ما يزيد على العشرة، ترى التفاوت الذي لا يحصر ... » «٢» .

ثم بين- سبحانه- ما يدل على أن العبرة في الإيمان، ليست بعظم الخوارق ووضوحها، وإنما العبرة بتفتح القلوب للحق، واستعدادها لقبوله، وساق- سبحانه- مثلا لذلك من قصة موسى- عليه السلام- فقد أعطاه من المعجزات البينة ما يشهد بصدقه، ولكن فرعون وجنده لم تزدهم تلك المعجزات إلا كفرا وعنادا، فقال- تعالى-:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ١٠١ الى ١٠٤]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤)


(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٢٢.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١٨١. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>