وكأن الآيات الكريمة تقول لهم وللناس إن نعم الله على عباده لا تحصى ورحمته بهم واسعة، فاشكروه على نعمه، وتوبوا إليه من ذنوبكم، فإن الإصرار على المعاصي يؤدى إلى سوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
ثم تراها- ثالثا- تدافع عن عيسى وأمه مريم دفاعا عادلا مقنعا وتبرئهما مما نسبه أهل الكتاب إليهما من زور وبهتان، وتصريح بأن أهل الكتاب لا حجة عندهم فيما تقولوه على عيسى وعلى أمه مريم، وأنهم في أقوالهم ما يتبعون إلا الظن، وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ثم تسوق الحقيقة التي لا باطل معها في شأن عيسى، بأن تبين بأن الذين زعموا أنهم قتلوه كاذبون مفترون فإنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وسيؤمنون به عند نزوله في آخر الزمان، أو عند ما يكونون في اللحظات الأخيرة من حياتهم، حين لا ينفع الإيمان.
ثم تراها- رابعا- لا تعمم في أحكامها، وإنما تحق الحق وتبطل الباطل فهي بعد أن تبين ما عليه اليهود من كفر وظلم وفسوق عن أمر الله، وتتوعدهم بالعذاب الشديد في الآخرة. بعد كل ذلك تمدح الراسخين في العلم منهم مدحا عظيما، وتكرم المؤمنين الصادقين منهم تكريما عظيما، وتبشرهم بالأجر الجزيل الذي يشرح صدورهم، ويطمئن قلوبهم. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
هذا جانب مما اشتملت عليه هذه الآيات من عبر وعظات «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد» .
وبعد هذا الحديث المستفيض عن شبهات اليهود وسوء طباعهم. ساق- سبحانه- ما يشهد بصدق النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وأنه ليس بدعا من الرسل، بل هو واحد منهم إلا أنه خاتمهم، وأرفعهم منزلة عند الله- تعالى- فقال- سبحانه-: