ومثلهم في الإنجيل، كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام، وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة ليسدها من بعدهم. وخرقا يرفوه من يلحق بهم وقيل: هو عطف على بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ أى: يؤمنون بالكتاب وبالمقيمين الصلاة وهم الأنبياء. وفي مصحف عبد الله: والمقيمون بالواو. وهي قراءة مالك بن دينار، والجحدري، وعيسى الثقفي «١» .
وقوله: وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ معطوف على الرَّاسِخُونَ أو على الضمير المرفوع في يُؤْمِنُونَ. أو على أنه مبتدأ والخبر ما بعده وهو قوله. أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً.
والمراد بالجميع مؤمنو أهل الكتاب الصادقون في إيمانهم. فقد وصفهم- أولا- بالرسوخ في العلم، ثم وصفهم- ثانيا- بالإيمان الكامل بما أوحاه الله على أنبيائه من كتب وهدايات، ثم مدحهم- ثالثا- بإقامة الصلاة إقامة مستوفية لكل أركانها وسننها وآدابها وخشوعها، ثم وصفهم- رابعا- بإيتاء الزكاة لمستحقيها، ثم وصفهم- خامسا- بالإيمان بالله إيمانا حقا، وبالإيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب.
وبعد هذا الوصف الكريم لهؤلاء المؤمنين الصادقين، بين- سبحانه- حسن عاقبتهم فقال: أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً.
أى: أولئك الموصفون بتلك الصفات الجليلة سنؤتيهم يوم القيامة أجرا عظيم لا يعلم كنهه إلا علام الغيوب، لأنهم جمعوا بين الإيمان الصحيح وبين العمل الصالح.
هذا. والمتأمل في هذه الآيات الكريمة، يراها من أجمع الآيات التي تحدثت عن أحوال اليهود، وعن أخلاقهم السيئة، وعن فنون من رذائلهم وقبائحهم ... فأنت تراها- أولا- تسجل عليهم أسئلتهم المتعنتة وسوء أدبهم مع الله، وعبادتهم للعجل من بعد أن قامت لديهم الأدلة على أن العبادة لا تكون إلا لله وحده، وعصيانهم لأوامر الله ونواهيه، ونقضهم للعهود والمواثيق، وكفرهم بآيات الله، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم قلوبنا غلف، وبهتهم لمريم القانتة العابدة الطاهرة، وقولهم: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ... إلى غير ذلك من الرذائل التي سجلها الله عليهم.
ثم تراها- ثانيا- تذكرهم وتذكر الناس جميعا ببعض مظاهر رحمة الله بهم، وعفوه عنهم، ونعمه عليهم، كما تذكرهم- أيضا- وتذكر الناس جميعا، ببعض العقوبات التي عاقبهم بها بسبب ظلمهم وبغيهم.