للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن العذاب إنما هو للكافرين منهم فحسب، أما من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأشباهه فلهم أجرهم عند ربهم.

وقد أكد- سبحانه- هذا المعنى بعد ذلك، بأن أكرم من يستحق الإكرام منهم، وبشره بالأجر العظيم فقال، لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ، وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ، وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ. أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً.

وقوله الرَّاسِخُونَ جمع راسخ. ورسوخ الشيء ثباته وتمكنه. يقال شجرة راسخة، أى ثابتة قوية لا تزحزحها الرياح ولا العواصف. والراسخ في العلم هو المتحقق فيه، الذي لا تؤثر فيه الشبهات، المتقن لما يعلمه إتقانا يبعده عن الميل والانحراف عن الحق.

وقوله، لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ استدراك من قوله قبل ذلك وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً وبيان لكون بعض أهل الكتاب على خلاف حال عامتهم في العاجل والآجل.

والمعنى: إن حال اليهود على ما وصف لكم من سوء خلق في الدنيا، ومن سوء عاقبة في الآخرة، لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ أى الثابتون فيه، المتقنون المستبصرون الذين أدركوا حقائقه وصدقوها وأذعنوا لها، ورسخت في نفوسهم رسوخا ليس معه شبهة تفسده، أو هوى يبعث به، أو ريب يزعزعه.

وَالْمُؤْمِنُونَ أى منهم. وقد وصفوا بالإيمان بعد وصفهم بما يوجبه وهو الرسوخ في العلم بطريق العطف المبنى على المغايرة بين المتعاطفين تنزيلا للاختلاف العنواني منزلة الاختلاف الذاتي.

وقوله يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ خبر لقوله الرَّاسِخُونَ. أى هؤلاء الراسخون في العلم من أهل الكتاب والمؤمنون منهم بالحق، يؤمنون بما أنزل إليك من قرآن، ويؤمنون بما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ من كتب سماوية على أنبياء الله ورسله.

وقوله: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ للعلماء فيه وجوه من الإعراب أشهرها أنه منصوب على المدح.

أى: وأمدح المقيمين الصلاة.

قال صاحب الكشاف: وقوله وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ نصب على المدح لبيان فضل الصلاة وهو باب واسع. وقد فسره سيبويه على أمثلة وشواهد. ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خط المصحف: وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب، ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان وغبى عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة

<<  <  ج: ص:  >  >>