للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: يخبر- سبحانه- أنه بسبب ظلم اليهود، وبسبب ما ارتكبوه من ذنوب، حرمت عليهم طيبات كان قد أحلها لهم. وقرأ ابن عباس: طيبات كانت أحلت لهم. وهذا التحريم قد يكون قدريا. بمعنى أن الله قيضهم لأن يتأولوا في كتابهم، وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالا لهم فحرموها على أنفسهم تضييقا، تنطعا. ويحتمل أن يكون شرعيا. بمعنى أنه- تعالى- حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالا لهم قبل ذلك. كما قال- تعالى- كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ «١» .

وقوله: وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً معطوف هو وما بعده من أخذهم الربا وغيره على الظلم الذي تعاطوه. من عطف الخاص على العام، لأن هذه الجرائم تفسير وتفصيل لظلمهم.

والصد والصدود: المنع. أى: وبسبب صدهم أنفسهم عن طريق الحق التي شرعها الله لعباده وصدهم غيرهم عنها صدا كثيرا، بسبب ذلك عاقبناهم وطردناهم من رحمتنا.

وقوله كَثِيراً صفة لمفعول محذوف منصوب بالمصدر وهو بِصَدِّهِمْ أى: وبصدهم عن سبيل الله جمعا كثيرا من الناس. أو صفة لمصدر محذوف، أى: وبصدهم عن سبيل الله صدا كثيرا. وقوله: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ بيان للون آخر من رذائلهم وقبائحهم. أى: ومن أسباب تحريم بعض الطيبات عليهم ولعنهم، أخذهم الربا مع نهيهم عنه على ألسنة رسلنا، وأكلهم أموال الناس بالباطل، أى. على طريق الرشوة، والخيانة، والسرقة وغير ذلك من سائر الوجوه المحرمة.

وما حملهم على هذا الولوغ في المحرمات بشراهة وعدم مبالاة إلا أنانيتهم وبيعهم الدين بالدنيا. وقوله. وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ جملة حالية في محل نصب.

قال الآلوسي. وفي الآية دلالة على أن الربا كان محرما عليهم كما هو محرم علينا لأى النهى يدل على حرمة المنهي عنه، وإلا لما توعد- سبحانه- على مخالفته.

تلك هي بعض العقوبات التي عاقبهم الله بها في الدنيا. أما عقوبة هؤلاء اليهود في الآخرة فقد بينها- سبحانه- في قوله. وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

أى. وهيأنا وأعددنا للكافرين من أولئك اليهود الذين فسدت نفوسهم عذابا موجعا أليما، جزاء ظلمهم وفسوقهم عن أمر الله.

وقوله لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ احتراس قصد به إخراج من آمن منهم من هذا العذاب الأليم،


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٤٨٥

<<  <  ج: ص:  >  >>