للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترتيب على أحسن الوجوه، ولكنهم لجهلهم وعنادهم قابلوا هذا الترتيب الحسن في الاستدلال، بالتقليد والجمود فقالوا: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى «١» .

ثم بين- سبحانه- ما قاله موسى لأخيه هارون بعد أن رأى ما عليه قومهما من ضلال، فقال- تعالى-:

[سورة طه (٢٠) : الآيات ٩٢ الى ٩٤]

قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤)

أى: قال موسى لأخيه هارون على سبيل اللوم والمعاتبة: يا هارون أى شيء منعك من مقاومتهم وقت أن رأيتهم ضلوا بسبب عبادتهم للعجل و «لا» في قوله: أَلَّا تَتَّبِعَنِ مزيدة للتأكيد. والاستفهام في قوله: أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي للإنكار.

أى: ما الذي منعك من أن تتبعني في الغضب عليهم لدين الله حين رأيتهم عاكفين على عبادة العجل، أفعصيت أمرى فيما قدمت إليك من قولي: اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ وفيما أمرتك به من الصلابة في الدين، لأن وجودك فيهم وقد عبدوا غير الله- تعالى- يعتبر تهاونا معهم فيما لا يصح التهاون فيه.

وكأن موسى- عليه السلام- كان يريد من أخيه هارون- عليه السلام- موقفا يتسم بالحزم والشدة مع هؤلاء الجاهلين، حتى ولو أدى الأمر لمقاتلتهم ...

وهنا يرد هارون على أخيه موسى ردا يبدو فيه الرفق والاستعطاف فيقول: ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي.

أى: قال هارون لموسى محاولا أن يهدئ من غضبه، بتحريك عاطفة الرحم في قلبه:

يا بن أمى لا تمسك بلحيتي ولا برأسى على سبيل التأنيب لي. فإنى لست عاصيا لأمرك، ولا معرضا عن اتباعك.


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٦ ص ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>