ولم يقل- سبحانه- ولا تتبع أهواءهم بل قال: ولا تتبع أهواء الذين كذبوا، فوضع الظاهر موضع الضمير لبيان أن المكذب بهذه الآيات والحجج الظاهرة إمعانا في التمسك بتقاليده الباطلة، إنما هو صاحب هوى وظن لا صاحب علم وحجة.
وقوله وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ عطف على الموصوف قبله لتعدد صفاتهم القبيحة.
أى: ولا تتبع أهواء الذين يجمعون بين تكذيب آيات الله، وبين الكفر بالآخرة، وبين جعلهم لله عديلا أى شريكا مع أنه- سبحانه- هو الخالق لكل شيء، لأن هذه الصفات لا تؤهلهم لشهادة حق، ولا للثقة بهم، وإنما للاحتقار في الدنيا، ولسوء العذاب في الآخرة.
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد حكت في بضع عشرة آية جانبا من رذائل المشركين وسخف تقاليدهم وعبث أهوائهم وفساد معاذيرهم وبطلان شبهاتهم وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم، ويبطل حجتهم، فيما أحلوه وحرموه في شأن النذور والذبائح والمطاعم والمشارب وغير ذلك مما حكته الآيات الكريمة.
ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى أفق أرحب وأوسع، وإلى ميدان أفسح وأشمل فتناديهم بأسلوب مؤثر بليغ ليستمعوا إلى ما حرم الله عليهم فيجتنبوه وإلى ما كلفهم به فيعملوه، تناديهم ليتدبروا في الأصول الكلية التي تقوم عليها العقيدة السليمة، ويسعد بها المجتمع، ويحيا في ظلها الأفراد والجماعات في أمان واطمئنان. تناديهم ليسمعوا البيان الصحيح الحق فيما أحل الله وحرم من الأفعال والأقوال ليسمعوه ممن له وحده الحق في أن يقوله، وفي أن يتلقى عنه تناديهم فتقول: