للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خارت عزيمته، وفترت همته.

هذا، وقد استفاضت الأحاديث النبوية التي تدعو إلى توحيد الله، وتنهى عن الإشراك، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: قلت يا رسول الله أى الذنب أعظم عند الله؟ (قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك) .

قال الإمام ابن كثير: وهذه الآية دالة على توحيده- تعالى- بالعبادة وحده لا شريك له، فإن من تأمل هذه الموجودات السفلية والعلوية واختلاف أشكالها وألوانها وطباعها ومنافعها، علم قدرة خالقها وحكمته وعلمه وإتقانه وعظيم سلطانه، كما قال بعض الأعراب وقد سئل:

ما الدليل على وجود الله- تعالى-؟ فقال: يا سبحان الله!! إن البعر ليدل على البعير وإن أثر القدم يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل هذا على وجود اللطيف الخبير) «١» .

وبعد أن ساق- سبحانه- في هاتين الآيتين البراهين الساطعة الدالة على وحدانية الله ونفى عقيدة الشرك، أورد بعد ذلك الدلائل الدالة على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن ليس من صنع بشر، وإنما هو كلام واهب القوى والقدر فقال- تعالى-:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]

وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)

ففي هاتين الآيتين انتقال لإثبات الجزء الثاني من جزأى الإيمان، وهو صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم في رسالته، بعد أن تم إثبات الجزء الأول من ذلك وهو وحدانية الله- تعالى- وعظيم قدرته.

والمعنى: إن رتبتم أيها المشركون في شأن هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد على مهل وتدريج، فأتوا أنتم بسورة من مثله في سمو الرتبة، وعلو الطبقة واستعينوا على ذلك بآلهتكم وبكل من تتوقعون منهم العون، ليساعدوكم في مهمتكم، أو ليشهدوا لكم أنكم أتيتم بما يماثله، إن كنتم صادقين في زعمكم أنكم تقدرون على معارضة القرآن الكريم.


(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>