للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعبرة التي تؤخذ من هذه الجملة الكريمة، أن من أمره الله- تعالى- بقول أو يفعل، فتركه وأتى بآخر لم يأذن به الله، دخل في زمرة الظالمين، وعرض نفسه لسوء المصير.

وقوله تعالى: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ تصريح بأن ما أصابهم من عذاب كان نتيجة عصيانهم وتمردهم وجحودهم لنعم الله- تعالى- والرجز في لغة العرب: هو العذاب سواء أكان بالأمراض المختلفة أو بغيرها.

وفي النص على أن الرجز قد أتاهم من جهة السماء إشعار بأنه عذاب لا يمكن دفعه وأنه لم يكن له سبب أرضى من عدوى أو نحوها، بل رمتهم به الملائكة من جهة السماء. فأصيب به الذين ظلموا دون غيرهم، ولم يقل القرآن «فأنزلنا عليهم» ، بالإضمار، وإنما قال فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا بالإظهار، تأكيدا لوصفهم بأقبح النعوت وهو الظلم، وإشعارا بأن ما نزل عليهم كان سبيه بغيهم وظلمهم.

وقد تضمنت الآيتان الكريمتان أن بنى إسرائيل مكنوا من النعمة فنفروا منها، وفتحت لهم أبواب الخير فأبوا دخولها، وأرشدوا إلى القول الذي يكفر سيئاتهم فخالفوا ما أرشدوا إليه مخالفة لا تقبل التأويل، فكانت نتيجة جحودهم ومخالفتهم لأمر الله حرمانهم من تلك النعمة إلى حين، ومعاقبتهم لظلمهم بالعذاب الأليم، وفي هذا التذكير امتنان عليهم ببذل النعمة، لأن عدم قبولهم لها لا يمنع كونها نعمة، وفيه إثارة لحسرة اليهود المعاصرين للعهد النبوي على ما ضاع من أسلافهم بسبب مخالفتهم وتمردهم وفيه أيضا تحذير لهم من سلوك طريق آبائهم حتى لا يصيبهم ما أصاب أسلافهم من عذاب أليم.

عاشرا: نعمة إغاثتهم بالماء بعد أن اشتد بهم العطش.

ثم ذكرهم- سبحانه- بعد ذلك بنعمة من أجل نعمه عليهم، وهي إغاثتهم في التيه بالماء بعد أن اشتد بهم العطش، فقال تعالى:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٦٠]]

وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>