ويرى بعضهم أن المراد بالوجوه التي ذلت وخشعت في هذا اليوم، وجوه الكفار والفاسقين، وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف فقال: المراد بالوجوه وجوه العصاة، وأنهم إذا عاينوا- يوم القيامة- الخيبة والشقوة وسوء الحساب وصارت وجوههم عانية، أى:
ذليلة خاشعة، مثل وجوه العناة وهم الأسارى، ونحوه قوله- تعالى-: فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا «١» .
ويبدو لنا أن القول الأول أقرب إلى الصواب، لأن جميع الوجوه يوم القيامة تكون خاضعة لحكم الله- تعالى- ومستسلمة لقضائه.
وقوله: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً جملة حالية، أى: ذلت جميع الوجوه لله- تعالى- يوم القيامة، والحال أنه قد خاب وخسر من حمل في دنياه ظلما، أى: شركا بالله- تعالى- أو فسوقا عن أمره- سبحانه- ولم يقدم العمل الصالح الذي ينفعه في ذلك اليوم العسير.
ثم بشر- سبحانه- المؤمنين بما يشرح صدورهم فقال: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً.
أى: ومن يعمل في دنياه الأعمال الصالحات، وهو مع ذلك مؤمن بكل ما يجب الإيمان به.
فإنه في هذه الحالة فَلا يَخافُ ظُلْماً ينزل به. ولا يخاف هَضْماً لشيء من حقوقه أو ثوابه.
يقال: هضم فلان حق غيره، إذا انتقصه حقه ولم يوفه إياه.
قالوا: والفرق بين الظلم والهضم: أن الظلم قد يكون بمنع الحق كله، أما الهضم فهو منع لبعض الحق. فكل هضم ظلم، وليس كل ظلم هضما.
فالآية الكريمة قد بشرت المؤمنين، بأن الله- تعالى- بفضله وكرمه سيوفيهم أجورهم يوم القيامة، بدون أدنى ظلم أو نقص من ثوابهم، فالتنكير في قوله ظُلْماً وَلا هَضْماً للتقليل.
ثم نوه- سبحانه- بشأن القرآن الكريم الذي أنزله على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم وبين بعض الحكم من إنزاله، وطلب من نبيه صلّى الله عليه وسلّم أن يسأله المزيد من العلم فقال- تعالى-:
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١١٣ الى ١١٤]
وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)
(١) تفسير الكشاف ج ٣ ص ٨٩.