ثم انتقلت السورة إلى دائرة أوسع وأرحب، فدعت المؤمنين إلى التدخل بين الطوائف المتنازعة لعقد المصالحة بينها، وإلى قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى حكم الله- تعالى- فقال- سبحانه-:
وقد ذكروا في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها: ما رواه الإمام أحمد عن أنس قال:
قيل للنبي صلّى الله عليه وسلّم: لو أتيت عبد الله بن أبى؟ فانطلق إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وركب حمارا، وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سبخة، فلما انطلق إليه- عليه الصلاة والسلام- قال: إليكم عنى، فو الله لقد آذاني ريح حمارك. فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك.
قال: فغضب لعبد الله رجال من قومه، وغضب للأنصارى أصحابه. قال: فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدى.. فبلغنا أنه أنزلت فيهم وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ... «١» .
والخطاب في الآية لأولى الأمر من المسلمين، والأمر في قوله فَأَصْلِحُوا للوجوب، والطائفة: الجماعة من الناس.
أى: وإن حدث قتال بين طائفتين من المؤمنين، فعليكم يا أولى الأمر من المؤمنين أن تتدخلوا بينهما بالإصلاح، عن طريق بذل النصح، وإزالة أسباب الخلاف.
والتعبير «بإن» للإشعار بأنه لا يصح أن يقع قتال بين المؤمنين، فإن وقع على سبيل الندرة، فعلى المسلمين أن يعملوا بكل وسيلة على إزالته.