للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة التوبة (٩) : آية ١١٧]]

لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧)

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- لما استقصى في شرح أحوال غزوة تبوك، وبين أحوال المتخلفين عنها، وأطال القول في ذلك على الترتيب الذي لخصناه فيما سبق، عاد في هذه الآية إلى شرح ما بقي من أحكامها، ومن بقية تلك الأحكام أنه قد صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجرى مجرى ترك الأولى، وصدر عن المؤمنين كذلك نوع زلة، فذكر- سبحانه- أنه تفضل عليهم، وتاب عليهم، في تلك الزلات، فقال- تعالى-: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ.. «١» .

وللعلماء أقوال في المراد بالتوبة التي تابها الله على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المهاجرين والأنصار: فمنهم من يرى أن المراد بها قبول توبتهم، وغفران ذنوبهم، والتجاوز عن زلاتهم التي حدثت منهم في تلك الغزوة أو في غيرها، وإلى هذا المعنى أشار القرطبي بقوله:

قال ابن عباس: كانت التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل أنه أذن للمنافقين في القعود، بدليل قوله- سبحانه- قبل ذلك: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ...

وكانت توبته على المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه- أى: إلى التخلف عن الخروج معه إلى غزوة تبوك «٢» .

ومنهم من يرى أن المقصود بذكر التوبة هنا التنويه بفضلها، والحض على تجديدها، وإلى هذا المعنى اتجه صاحب الكشاف فقال: «تاب الله على النبي» كقوله: «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر» وكقوله: «واستغفر لذنبك» . وهو بعث للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار، حتى النبي والمهاجرين والأنصار، وإبانة لفضل التوبة ومقدارها عند الله، وأن صفة التوابين الأوابين صفة الأنبياء كما وصفهم بالصالحين ليظهر فضيلة الصلاح.. «٣» .


(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٥١٥.
(٢) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٢٨٧.
(٣) تفسير الكشاف ج ٢ ص ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>