وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ أى: وفيها كذلك أنهار من خمر هي في غاية اللذة لمن يشربها، إذ لا يعقبها ذهاب عقل، ولا صداع.
وقال- سبحانه- لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ للإشعار بأنها لذيذة لجميع من يشربونها بخلاف خمر الدنيا فإن من الناس من ينفر منها ويعافها حتى ولو كان على غير دين الإسلام.
وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى أى: وفيها- أيضا- أنهار من عسل لا يخالطه ما يخالط عسل الدنيا من الشمع أو غيره.
وَلَهُمْ أى: للمؤمنين فِيها أى: في الجنة فضلا عن كل ذلك مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ التي يشتهونها، وأهم من كل ذلك أنهم لهم فيها: مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ أى: لهم ثواب عظيم وفضل كبير من ربهم، حيث ستر لهم ذنوبهم، وأزالها عنهم، وحولها إلى حسنات بكرمه وإحسانه.
وقوله- سبحانه-: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ أى:
أمثل جزاء المؤمنين الذي هو الجنة التي فيها ما فيها من أنهار الماء واللبن والخمر والعسل..
كمثل عقاب الكافرين والمتمثل في نارهم خالدين فيها أبدا، وفي ماء في أشد درجات الحرارة، يشربونه فيقطع أمعاءهم؟
لا شك أن كل عاقل يرى فرقا شاسعا، بين حسن عاقبة المؤمنين، وسوء عاقبة الكافرين.
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد فرقت بين الأخيار والأشرار في المنهج والسلوك، وفي المصير الذي يصير إليه كل فريق.
وبعد هذا الحديث المفصل عن حال المؤمنين وحال الكافرين وعن مصير كل فريق. انتقلت السورة إلى الحديث عن المنافقين، وعن موقفهم من النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن القرآن الكريم الذي أنزله الله- تعالى- عليه، فقال- سبحانه-:
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٦ الى ١٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)