للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالدين، وتكون ما بمعنى من، وقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواترا يفيد العلم الضروري بأنه يخرج من النار أهل التوحيد، فكان ذلك مخصصا لكل عموم.

(ج) أن الاستثناء من الزفير والشهيق، أى لهم فيها زفير وشهيق إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من أنواع العذاب غير الزفير والشهيق ... » «١» .

ويبدو لنا أن الرأى الأول أرجح الآراء، ويشهد لهذا قوله- تعالى- بعد ذلك:

إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ أى فهو إن شاء غير ذلك فعله، وإن شاء ذلك فعله، ما شاء من الأفعال كان وما لم يشاء لم يكن.

وجاء- سبحانه- بصيغة المبالغة فَعَّالٌ للإشارة إلى أنه- سبحانه- لا يتعاصى عليه فعل من الأفعال بأى وجه من الوجوه.

ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة السعداء فقال: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا أى في الآخرة بسبب إيمانهم وتقواهم في الدنيا، فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ.

أى: عطاء منه- سبحانه- لهم غير مقطوع عنهم، يقال: جذ الشيء يجذه جذا، أى:

كسره وقطعه، ومنه الجذاذ- بضم الجيم- لما تكسر من الشيء كما في قوله- تعالى- حكاية عما فعله إبراهيم- عليه السلام- بالأصنام فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ ...

وبذلك نرى أن هذه الآيات قد فصلت أحوال السعداء والأشقياء، تفصيلا يدعو العقلاء إلى أن يسلكوا طريق السعداء، وأن يتجنبوا طريق الأشقياء.

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك من الآيات ما فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من قومه من أذى، وما فيه تثبيت لقلوب المؤمنين، وما فيه إرشاد لهم إلى ما يقربهم من الخير، ويبعدهم عن الشر فقال- تعالى-:

[سورة هود (١١) : الآيات ١٠٨ الى ١١٥]

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢)

وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥)


(١) راجع تفسير الشوكانى ج ٢ ص ٥٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>