للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوليد، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد» . فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم. فقال صلّى الله عليه وسلّم: «من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد، ثم أنتم في الناس كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، وإنى لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة- فكبرنا- ثم قال: ثلث أهل الجنة- فكبرنا- ثم قال: شطر أهل الجنة فكبرنا» «١» .

وعلى الرأى الأول تكون الزلزلة بمعناها الحقيقي، بأن تتزلزل الأرض وتضطرب، ويعقبها طلوع الشمس من مغربها، ثم تقوم الساعة.

وعلى الرأى الثاني تكون الزلزلة المقصود بها شدة الخوف والفزع، كما في قوله- تعالى- في شأن المؤمنين بعد أن أحاطت بهم جيوش الأحزاب: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً «٢» فالمقصود: أصيبوا بالفزع والخوف، وليس المقصود أن الأرض تحركت واضطربت من تحتهم.

وبعد هذا الافتتاح الذي يغرس الخوف في النفوس، ويحملها على تقوى الله وخشيته، ساقت السورة حال نوع من الناس يجادل بالباطل، ويتبع خطوات الشيطان، فقال- تعالى-:

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣ الى ٤]

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤)

ومِنَ في قوله وَمِنَ النَّاسِ للتبعيض. وقوله يُجادِلُ من الجدال بمعنى المفاوضة على سبيل المنازعة والمخاصمة والمغالبة، مأخوذ من جدلت الحبل. أى: أحكمت فتله، كأن المتجادلين يحاول كل واحد منهما أن يقوى رأيه، ويضعف رأى صاحبه.

والمراد بالمجادلة في الله: المجادلة في ذاته وصفاته وتشريعاته.

وقوله: بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من الفاعل في يجادل. وهي حال موضحة لما تشعر به المجادلة هنا من الجهل والعناد.


(١) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ٣٨٦ طبعة دار الشعب.
(٢) سورة الأحزاب الآية ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>