للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وختمت الآية بهذه الجملة التعليلية لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ زيادة في إقناع نفوسهم بأمر القصاص، أى: شرعنا لكم هذه الأحكام الحكيمة لتتقوا القتل حذرا من القصاص، ولتعيشوا آمنين مطمئنين، ومتوادين متحابين.

وبهذا البيان الحكيم تكون الآيتان الكريمتان قد أرشدتا إلى ما يحمى النفوس، ويحقن الدماء، ويردع المعتدين عن الاعتداء، ويغرس بين الناس معاني التسامح والإخاء، ويقيم حياتهم على أساس من الرحمة والعدالة وحسن القضاء.

وبعد أن بين- سبحانه- ما يتعلق بالقصاص أتبعه بالحديث عن الوصية، ليرشد الناس إلى ما ينبغي أن تكون عليه، وليبطل ما كان من عوائد الجاهلية من وصايا جائرة فقال- تعالى-:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٨٠ الى ١٨٢]

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢)

وقوله- تعالى-: كُتِبَ عَلَيْكُمْ قد استفاض في عرف الشرع بمعنى وجب عليكم.

و «حضور الموت» يقع عند معاينة الإنسان للموت ولعجزه في هذا الوقت عن الإيصاء فسر بحضور أسبابه، وظهور أماراته، من نحو العلل المخوفة والهرم البالغ. وقد شاع عند العرب استعمال السبب كناية عن المسبب، ومن ذلك قول شاعرهم:

يا أيها الراكب المزجى مطيته ... سائل بنى أسد ما هذه الصوت «١»

وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا ... قولا يبرئكم إنى أنا الموت


(١) الصوت مذكر، وقد أنثه الشاعر هنا لأنه أراد به الضوضاء والجلبة على معنى الصيحة- كما أفاده المعلق على القرطبي نقلا عن لسان العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>